دراما يومية متكررة تعكس الفوضي في شوارعنا تتفوق علي ما تعرضه قنوات المسلسلات والافلام وتقدم لمن يتأملها، جرعة دسمة من المشاهد المتنوعة في احداثها ومناظرها وابطالها وشخوصها.. فما بين مشهد »تراجيدي« لسيدة مسنة تقاسي لتصعد علي الرصيف العالي الذي لم يراع مصممه شيخوختها، والصراع بين سائقي الميكروباص علي اولوية التحميل وهو ما يدفع ثمنه الراكب في النهاية، مرورا ب »الاكشن« في مشاهد مطاردة البلدية المستمرة للباعة الجائلين التي تنتهي بعودتهم من جديد بعد مرور الدورية، حتي الكوميديا تجدها في اصرار المشاه علي السير في قلب الطرق رغم كلاكسات السيارات غير عابئين بخطورة تعرضهم للحوادث، وكأنه يطلع لسانه للسائق قائلا: ماتقدرش!. شوارع القاهرة تحولت عرض مستمر لجميع اشكال الفوضي والاهمال واللامبالاة، و»اهل كايرو« ساهموا بسلوكياتهم الخاطئة في زيادة التوتر والصراع بل الصدام ورغم المسحة الفنية العبثية التي تغلف تلك المشاهد فيجب ان نعلم انه اذا كانت الفنون جنون.. ُإن لفوضي جريمة يدفع المجتمع ثمنها.. تلك المقدمة مجرد »التتر«.. وإلي المشاهد الحية في هذا السطور القادمة.. البداية مع اول بطلين في دراما الشارع، وهما السائق والماشي، حيث يتهم كل منهما الاخر بالتسبب في الفوضي والارتباك المروري.. وفي استطلاع للرأي اجراه »منتدي السيارات« علي الانترنت، حول »المتسبب الحقيقي لفوضي الشوارع في مصر، جاء في المرتبة الاولي »عدم تطبيق القانون وضياع هيبة رجل المرور بالشارع« بنسبة 64٪ تليها سوء حالة الطرق وغياب تخطيط الشوارع بنسبة 61٪ ثم تصرفات الغالبية العظمي من سائقي الميكروباص بنسبة 41٪ وبعدها الزحام الشديد والزيادة الكبيرة لمستخدمي الشوارع والطرق بنفس النسبة بينما تراوحت بقية الاراء حول تصرفات بعض سائقي سيارات النقل والنقل الثقيل والقيادة المتهورة ورعونة بعض الشباب، واسلوب قيادة بعض السيدات، واخيرا الاهمال واللامبالاة من المشاة. يقول سيد عبدالعليم سائق تاكسي ان قيادة السيارات تعتبر من وجهة نظره اصعب مهنة في مصر شارحا ان كل الاطراف مسئولة عن ذلك، فالطرق غير ممهدة والمطبات العشوائية تدمر السيارة، كما ان سائقي السيارات الاخري يقودون بتهور، وكأن كل واحد الطريق بتاعه لوحده، اما اصعب الاطراف هم المشاة الذين يسيرون في وسط الطريق، ويعبرون الشارع من اي مكان بصورة مفاجئة تربك السائق دون مراعاة للاشارات ويختتم قائلا: هل اركز مع اكل عيشي ام السيارات التي »تكسر« عليّ ام المارة؟ ويلتقط طرف الحديث انور فهمي سائق ملاكي متعجبا من سير المشاة في نص الشارع وليس علي الرصيف أو حتي علي جانب الطريق بل انه يجزم ان المارة يقتطعون اكثر من حارتين، ويتركون السيارات تضرب تقلب في بقية الشارع فاذا اضفنا إلي ذلك الانتظار صف ثان وثالث، والباعة الجائلين.. فهل نطير بالسيارات.. بعدما ضاقت بنا الارض؟! ويفسر سلامة محمود سائق ميكروباص ما يسميه »دلع« المشاة الذين يتباطئون امام السيارات حتي لو كادت تصطدمهم بثقتهم الشديدة في ان السائق خايف عليهم اكتر من انفسهم، وانه في حالة وقوع حادثة لا قدر الله يدخل السائق في مشاكل لا حصر لها اكبرها حبسه واخفها وقف حاله وقطع عيشه لاسبوع علي الاقل، ما بين المحاضر واقسام الشرطة والنيابات حتي لو كان بريئا. »الكوميديا« تطل برأسها علي لسان حسن عبدالله سائق تاكسي الذي طالب بتوقيع غرامات فورية علي المشاة الذين لا يلتزمون بالعبور من الاماكن المخصصة لعبور المشاة أو في الاشارات، ويستطرد شارحا اقتراحه: لماذا يتعرض السائق للغرامات اذا اخطأ، بينما خطأ المشاة لا يواجه بأية عقوبة؟! توفير بديل علي الجانب الاخر، لخص المشاة مشاكلهم في احتلال الباعة الجائلين للارصفة، وصعوبة الوصول إلي الانفاق وكباري المشاة فضلا عن الاضطرار للوقوف في قلب الشارع لركوب الميكروباص الذي يقف في اي مكان. يقول محمد حسين موظف بالمعاش ان الارصفة غير موجودة أو يحتلها الباعة الجائلون بحيث لا تسمح لنا باستخدامها، ويكون البديل تعرضنا للخطر بالمشي في قلب الشارع، لكنه يستدرك قائلا انه سيكرر ذلك رغم خطورته لان الحوادث قضاء وقدر! اما ميرفت عاشور ربة منزل فتقول: ايه اللي رماك علي المر.. وتضيف لا نجد مكان نسير فيه فالكباري العلوية تشكل مشقة كبيرة خاصة لكبار السن الذين لا يتحملون الطلوع والنزول ويفضلون عبور الطريق امام السيارات لعل السائقين يرحمون شيخوخة الكبار ويبطئون للسماح بمرورهم كما ان الانفاق تشكل مشقة كبيرة علي كبار السن الذين يبحثون عن اقرب طريق مختصر بدلا من اللف والدوران حتي الارصفة، كما تشكو صفية السيد 07 عاما، عالية جدا عن الارض بشكل لا يسمح لقدمها الضعيفة ان تصعد اليه إلا بمعاونة اهل الخير، متسائلة: هل مصمم هذه الارصفة يعاند المسنين ام يقسو عليهم في خريف العمر؟! من جانبه يناشد علاء ثروت مهندس المسئولين بالتوسع في تخصيص بعض الشوارع والطرق الفرعية للمشاة فقط، كبديل مناسب لازدحام الرصيف ولتجنب الحوادث، مشيرا إلي ان بعض شوارع وسط القاهرة نجحت فيها هذه التجربة ولا مانع من تعميمها. ويشكو محمود عبدالسلام مصور فوتوغرافي من تحول الشوارع الرئيسية في العاصمة إلي جراجات بعد تراكم السيارات للانتظار صف اول وثان وثالث، دون خوف من الغرامات أو سحب رخصة القيادة، مدللا علي انه يسير يوميا في اتجاه شارع قصر العيني ودائما يجد الشوارع المؤدية إلي لاظوغلي والسيدة زينب والمنيرة تحتلها السيارات. أزمة سلوك وتعليقا علي الظاهرة تحمل الدكتورة امال طه، استاذ الاجتماع بجامعة حلوان، البيت مسئولية تردي السلوكيات في الشارع، وانه علي الاسرة دور كبير في تنشئة الابناء علي قيم احترام الكبير، واحترام حقوق الاخرين، والوعي بالاداب العامة الواجب مراعاتها في الشارع، فضلا عن احترام قانون المرور، مشيرة إلي ان التراجع الملحوظ في سلوكيات المجتمع تعكس ضعف الانتماء، والانانية المفرطة وتنامي الميل نحو العنف والتعصب، وتستدل علي ذلك بالجرائم العديدة التي يتم ارتكابها لأتفه الاسباب مثل الاسبقية علي ركن السيارة أو المرور قبل الاخر، بل ان تلك الجرائم تصل إلي حد القتل. وترفض د.امال ربط هذه المظاهر الفوضوية بضغوط الحياة، مضيفة ان الظروف الاقتصادية الصعبة أو غلاء الاسعار ليست مبررا للتعدي علي القانون أو الانتقاص من حقوق الغير، كما ان الواقع يكشف ان الشارع يضج بجميع المخالفات التي يرتكبها الغني والفقير علي حد سواء. من جانبه علق مصدر مروري رفض نشر اسمه بان الادارة العامة للمرور، بالتنسيق مع بقية الجهات والافرع، لا تدخر جهدا لتحقيق الانضباط والسيولة في الشارع، سواء بالنسبة للمركبات أو الافراد، وذلك عن طريق عدة اجراءات منها تحديد حارات مخصصة للنقل الجماعي للتيسير علي الركاب دون تعطيل الطريق فضلا عن تنظيم عبور المشاة للطريق من اماكنها المحددة خاصة في الميادين الكبري، مشيرا إلي ان التزام المواطنين بقواعد المرور يحقق الانضباط المأمول. ونوه المصدر نفسه إلي ضرورة التفرقة بين قانون المرور بمواده الواضحة التي تحدد عقوبات معينة للمخالفات، وهذا كفيل بتطبيقه رجل المرور وبين مفهوم اوسع يتعلق باداب المرور، فمن الواضح ان لدينا ازمة سلوك في التعامل الراقي فيما بيننا وتراجع قيم التسامح والذوق بين الناس، وهو الامر الذي يحتاج إلي جهد مجتمعي كبير للتوعية والارشاد والارتقاء بسلوكياتنا والابتعاد بها عن الفوضي والاستهتار واللامبالاة. اما اخر الاراء فجاءت علي لسان مواطن رفض نشر اسمه الذي بادرني بالسؤال: أليست مواكب الوزراء التي تصيب المرور بالشلل جزءا من هذه الفوضي؟ لم ارد عليه.. واترك الاجابة للمسئولين انفسهم!