الأهرام: 8/4/2009 مازال البحث عن نظام انتخابي ملائم هو الشغل الشاغل للعديد من القوي السياسية في مصر, ففي الاجتماع المشترك لأمانتي الشباب والإعلام بالحزب الوطني يوم22 مارس الماضي, أكد أمين الحزب صفوت الشريف أن استطلاعا للرأي أشرف عليه المجلس الأعلي للسياسات أكد أن نسبة كبيرة من المستطلع آراؤهم بالحزب تري ضرورة بقاء نظام الانتخاب الفردي المعمول به. وتكشف تلك المواقف عن عدد من الأمور تستحق البحث, قبل انتخابات مجلس الشعب المقررة في العام القادم. فبداية, أثبتت التجربة العملية أن نزاهة الانتخابات تبقي الهم الرئيسي لمصداقية وشفافية أية عملية انتخابية, بغض النظر عن طبيعة النظام الانتخابي المتبع, فقد يكون النظام المقرر هو نظام القوائم المشروطة في الإطارالنسبي أو المطلق, لكنه رغم ذلك يكن من الشفافية التي تجعل العملية برمتها تحظي باحترام جميع المتنافسين. وقد يكون النظام الانتخابي هو النظام الفردي أو القوائم النسبية غير المشروطة, لكن كم التجاوزات المقررة تضرب نزاهته في مقتل, ومع ذلك فإنه من المهم التطرق ونحن علي أعتاب النظر في النظام الانتخابي لمثالب وإيجابيات كل نظام من واقع الممارسة المصرية, وتقدير ما يمكن التفكير فيه قبل تقنين أوضاع جديدة. فالنظام الفردي أثبت أنه نظام يدعم استشراء ظاهرة الإنفاق المالي غير المحدود بدءا من مرحلة الدعاية الانتخابية وحتي يوم الاقتراع, بما يجعل البرلمان مؤسسة خالية من ممثلي الطبقات الشعبية. إضافة إلي ذلك يثير هذا النظام بعض النعرات الطائفية لدي بعض الراغبين في استغلال الحس الديني للناخب, الأمر الذي يحد من تمثيل المسيحيين, كما أنه يتجاهل تمثيل من حصل علي49% من أصوات الناخبين, ورغم ذلك تبدو الإيجابية المهمة في الأخذ بهذا النظام هي انه يخاطب زهاء95% من المصريين, وهي تقريبا نسبة المصريين من غير المنتمين للأحزاب السياسية, الأمر الذي يجعل من الإجحاف الاعتماد علي القوائم لدعم طموحات سياسية ل5% فقط من المواطنين, وتجاهل ظاهرة الاستقلال السياسي للأغلبية الكاسحة من الشعب المصري. إضافة إلي ذلك, فإن التجربة العملية لهذا النظام أثبتت أنه الوحيد الذي أتي بأكبر كم من المعارضة بالبرلمان منذ التعددية السياسية في نوفمبر1976, صحيح أن هذا الكم حكمه أسباب أخري, إلا أنه ارتبط ضمن ما ارتبط بطبيعة النظام الفردي. أما نظام القوائم, فمن واقع الممارسة فإنه نظام استهدف من خلال الشروط التي تقرر بموجبها, التحكم في نوع من المعارضة في البرلمان باشتراط تمثيل الأحزاب بنسبة محددة علي مستوي الجمهورية كي تمثل في البرلمان, كما أنه استهدف عدم تمثيل القوي السياسية غير الحزبية اللهم إلا إذا تسامح النظام السياسي وتغاضي عن تنفيذ القانون, كما حدث في انتخابات1984 و1987 عندما شاركت جماعة الإخوان في تلك الانتخابات, وهو أمر يصعب تكراره في أي نظام قوائم جديد بسبب نص المادة62 من الدستور المعدلة عام2007 علي الأخذ بنظام القوائم الحزبية إذا ما اعتمد أسلوب القائمة كنظام. إضافة إلي ذلك, فإن هذا النظام يخضع المرشحين لابتزاز قادة الأحزاب القائمين بوضع أسماء المرشحين وترتيبها, وكذلك تحديد المرشحين من حيث نوعيتهم ودياناتهم, علي أن الميزة الرئيسية لهذا النظام هو انه يسعي إلي تعزيز العملية السياسية في المجتمع عبر تقوية الأحزاب السياسية باعتبارها مرجعا لأي عمل سياسي. كما أن ميزته أنه يقضي علي ظاهرة العنف في الانتخابات عكس النظام الفردي, وهنا نشير إلي أن انتخابات1984( قوائم) و1987( قوائم مطعم بفردي) وانتخابات1990 و1995 و2000 و2005( فردي) كان عدد القتلي فيها علي التوالي هو13,50,42,10,1,2. من هنا يمكن الإشارة إلي بعض الأمور التي يتحتم إعادة التفكير فيها عند تقرير النظام الانتخابي, وهي أمور تنحاز بالأساس للنزاهة والشفافية, ومواجهة السلبيات السابق الإشارة إليها. فبداية, يذكر أنه في حالة الأخذ بنظام القوائم الحزبية, فإن الأمر يتطلب إلغاء أية قيود علي نشأة الأحزاب السياسية, اللهم إلا بالنسبة للكيانات التي تدعو صراحة للفتنة الطائفية أو التي لها ظهير ميليشياتي. كما يتطلب الأمر عند الأخذ بهذا النظام, إلغاء أية شروط حوله, وكذلك عدم التقيد بسنوات عضوية محددة للمرشحين علي القوائم, بما يتيح للعديد من المستقلين إمكانية النزول علي قوائم الأحزاب بعد الانضمام المبكر لها. أما في حالة إذا ما أقر بنظام الانتخاب الفردي, فيتوجب تقرير آلية فعالة للحد من الإنفاق البذخي, وهذه الآلية تعتمد علي إيجاد رقابة حقيقية علي هذا الإنفاق من خلال الصرف عبر الشيكات البنكية فقط, وتوقيع عقوبات شديدة علي المخالفين. إضافة إلي ذلك من الضروري تجريم التحول من انتماء سياسي لمرشح بعد فوزه إلي انتماء سياسي آخر, ورغم أن هذا التحول لايجرمه الدستور, إلا أنه يستحق من الناحية المعنوية تعميم استهجانه علي العموم. وبصراحة فإن البقاء علي هذا الوضع دون تجريم يعد مصلحة مشتركة للداعين لاستمرار النظام الفردي, وقيادات حزب الأغلبية التي تستدعي هؤلاء مرة أخري بعد إعلان نتائج كل انتخاب. من ناحية أخري, من المهم وبغض النظر عن طبيعة النظام الانتخابي, الأخذ بثلة من الإصلاحات الهادفة إلي تنقية الجداول الانتخابية, وهذه الخطوة رغم الجهود الإيجابية التي اتخذت بشأنها, فإنه مازالت هناك فجوة كبيرة بين المقيدين في تلك الجداول والمؤهلين بالفعل للانتخاب, تصل إلي زهاء10 ملايين ناخب. إضافة إلي ذلك يتحتم تعديل المادة رقم11 من قانون مباشرة الحقوق السياسية والتي تفتح المجال للقيد الجماعي للناخبين, من خلال تقريرها القيد في أماكن العمل. وفيما يتعلق بالدوائر الانتخابية, فهناك أهمية لإعادة تقسيم الدوائر, بحيث يتناسب عدد المطلوب انتخابهم مع عدد الناخبين في كل دائرة, وبالنسبة للجنة العليا للانتخابات, تبرز أهمية تفعيل دور تلك اللجنة بدءا من إعداد جداول الناخبين إلي إعلان نتائج الانتخاب, مرورا بقبولها وفحصها وحدها لطلبات الترشيح والاعتراض علي تلك الطلبات وتقسيم اللجان الانتخابية. ودعما للشفافية, يتطلب النظام الانتخابي الجديد الإقرار بفرز بطاقات الاقتراع وإعلان النتائج داخل مقرات الاقتراع دون نقل الصناديق لمقرات عامة. ورغبة في زيادة نسبة المشاركة, يتوجب وضع آلية لتصويت المهاجرين والعاملين بالخارج, خاصة أن عدد هؤلاء يتجاوز3 ملايين ناخب, لما في ذلك من دعم انتماء هؤلاء بالوطن. وأخيرا, بالنسبة إلي تقرير كوتة المرأة, فمن المهم في حالة الأخذ بالنظام الفردي واعتماد المحافظة دائرة واحدة كما أقر الحزب الوطني بذلك, تناسب عدد المنتخبات مع عدد الناخبين, وهنا قد تكون إحدي المحافظات ممثلة بسيدة بينما أخري بخمس سيدات. أما في حالة القوائم, فإن الأمر يتطلب وضع المرأة في ترتيب محدد في قوائم الأحزاب.