بدأ المزيد من الأمريكيين يشدون الحزام حول بطونهم تقشفا مع دخول الولاياتالمتحدة في أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، حيث عزف الكثير منهم عن الانفاق وتحولوا الى الادخار وسط موجة عاتية من فقد الوظائف مما ينذر بتعميق اثر التباطؤ الاقتصادي للبلاد. ويتزامن تحول الامركيين الى الادخار مع دخول أعداد لا تحصى من الشركات الأمريكية إلى دائرة الركود وانهارت أسواق الأوراق المالية و تراجع أسعار الكثير من العقارات، تسريح عن 3ملايين موظف حول العالم. لذا فقد اتخذ الكثير من المواطنين الحظر تخوفا من فقد وظائفهم عن طريق تخفيض معدلات إنفاقهم وهيأوا أنفسهم لمستقبل يسوده الشك، وبعد عقود من الإنفاق الذي ليس له حدود انقشعت غشاوة الوهم الكبير وظهرت الحقيقة عارية. وهو ما اكده مارك ستيفنس رئيس مكتب استشاري بنيويورك ومؤلف كتاب "الثراء ديانة" بقوله ان -الذي يلقي الضوء على نتائج النزعة الاستهلاكية المحمومة في الولاياتالمتحدة- إن المستهلكين تعرضوا لصدمة. فيدخرون المال حاليا لأنهم يخشون فقدان وظائفهم." ويضيف ستيفنس إن إدمان الأمريكيين للإنفاق هو الذي تسبب في الأزمة برمتها، ومع ذلك بدأ الأمريكيون العاديون في تغيير أسلوب حياتهم. فيعزف حاليا الكثير من الأمريكيين عن ارتياد المطاعم كما أنهم يلغون قضاء عطلاتهم في الخارج ويتوقفون عن شراء السيارات الجديدة. وتعترف آني مونكادا( 63 عاما) بأنها كانت تشتري سلعا غالية الثمن، أما الآن فهي تعيش في حالة أكثر تواضعا وتحاول أن تقتصد في نفقاتها عن طريق الاحتفاظ ببطاقة الائتمان الخاصة بها داخل محفظتها، كما أنها صارت تطهو الهامبورجر بدلا من شرائح اللحم وأصبحت أكثر حرصا عند استهلاك الكهرباء. وتقول كيرتني أوسترميهلي (23 عاما ) التي اعتادت ان تنفق ما لديها من نقود على ما تسمه "احتياجات البنات"، فتذهب إلى صالونات تصفيف الشعر الراقية، وتدفع مبالغ لخبراء العناية بالأظافر، وتشتري ملابس غالية الثمن،غير أن هذه الفتاة التي تقيم في فيلادلفيا توقفت منذ فترة عن القيام بجولات للتسوق. واضافت إنها لم تعد تتسوق حاليا مثلما كان الحال من قبل، وبدلا من ذلك بدأت في طهي طعامها بالمنزل بشكل متزايد واستخدام مترو الأنفاق بدلا من سيارتها الخاصة. ومن المعروف أن الأمريكيين يشتهرون عالميا بأنهم مستهلكون ينفقون بأكثر من حجم دخولهم وبأنهم على استعداد للاستدانة، وخلال الأعوام القليلة الماضية ظل معد ادخار المواطنين الأمريكيين تحت نسبة 1 %، بل إن هذا الرقم تراجع للسلب في عام 2005 . ولكن الحال تبدل، فقد افادت دراسة لوزارة التجارة الأمريكية أن النتيجة الكلية أصبحت تراجع معدلات الاستهلاك والتي تقلصت في ديسمبر/ كانون الاول 2008 للشهر السادس على التوالي، بينما ارتفع معدل الادخار ليصل إلى 2.9 % في أواخر عام 2008 . واشارجريج ماكبرايد المحلل المالي لإحدى البوابات الإلكترونية المتخصصة في المصارف أن الاتجاه إلى الادخار أصبح أكبر حركة للتغيير في النمط الاستهلاكي الأمريكي خلال الأعوام العشرين الماضية. ومع ارتفاع وتراكم حسابات المدخرات اتيحت رؤوس أموال جديدة من أجل الاستثمار المستقبلي كما أن هذه المدخرات خفضت من عبء الديون الخارجية للولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، يؤكد نيجل جولت - وهو خبير اقتصادي أمريكي بارز يعمل بمكتب للاستشارات المالية- إن هذا الاتجاه جيد على المدى الطويل لأن الولاياتالمتحدة لا يمكنها أن تعيش على الديون، غير أن المستهلكين الأمريكيين قرروا ادخار أموالهم في توقيت غير مناسب، موضحا انه ما قد يكون طيبا ومفيدا للأفراد قد يكون له تأثير ضار على الاقتصاد الأمريكي ككل، حيث أنه بات يتعرض لتهديد بالدخول في دائرة مفرغة يتجه الأمريكيون بداخلها إلى الشح والتوفير مما يؤدي إلى انتزاع القوة من الاقتصاد الذي تعرض للاهتزاز بالفعل في هذه العملية ومن ثم تفاقم الركود. واضاف أن الاتجاه للتوفير والشح في الإنفاق لا يؤثر بالسلب على الاقتصاد الأمريكي وحده وإنما أيضا على الاقتصاديات التي تعتمد على التصدير مثل الصين التي تعتمد على المستهلك الأمريكي، وتتجه آمال الخبراء الاقتصاديين حاليا إلى خطة التحفيز الاقتصادي الأمريكية التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات. ( د ب أ)