توقعات وطموحات مستقبلية إعداد / د. هند بدارى بارقة أمل جديدة .. بزغت فى الصومال،بإنتخاب الشيخ شريف شيخ أحمد ، زعيم "التحالف من أجل إعادة تحرير الصومال" , رئيسا للبلاد فى اجتماع للبرلمان الانتقالى ،عقد فى 30 يناير/كانون الثانى 2009م بجيبوتي ، ورغم إنعقاد البرلمان خارج البلاد ، إلا أنه كان تعبيراً عن تجددالمساعى الرامية إلى إسدال الستار على فصول حرب أهلية إستغرقت نحو 20 عاماً، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تسهم في تحقيق المصالحة الشاملة وإنطلاق مسيرة الإعمار والتنمية . وجاء انتخاب "الشيخ شريف" خلفا للرئيس المؤقت السابق عبد الله يوسف أحمد الذي خاض صراعاً على السلطة مع رئيس وزرائه نور حسن حسين ، إنتهى بتنحيه في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2008 م . حكومة جديدة ..لكل الطوائف تعهد الرئيس الجديد فور اعلان انتخابه رئيساً في العاصمة الجيبوتيه, بتشكيل حكومة جديدة تمثل كل طوائف الشعب وتعد خطة لتجاوز الصعوبات التي تواجهها البلاد، مؤكداً أن معالجة الوضع الإنساني للاجئي الحرب على رأس أولوياته ، إلى جانب التعاون مع دول القرن الأفريقي المجاورة ، وتوطيد دعائم الوحدة الوطنية الصومالية بما يكفل التفرغ لاعادة بناء مؤسسات الدولة واعمار مادمرته الحرب خلال السنوات الماضية ، مؤكدا ً أنه سيحكم الشعب الصومالي بنزاهة وعدل . وفي إشارة إلى تنظيم "شباب المجاهدين" ،قال شيخ شريف "إن هؤلاء الذين يقاتلون لفرض التطبيق المتشدد للشريعة الإسلامية في كل أنحاء الصومال قد أساءوا تفسير الدين ،وإنه سيحاول تصحيح ذلك". بل ألمح "شيخ شريف" في كلمته لوجود بارقة أمل للمضي قدما بالبلاد بشرط "صفاء القلوب" ،ويتفق معه بعض المحللين الذين يرون أن "شريف" لديه فرصة كبيرة لتوحيد الصومال وتحقيق التوافق مع الجماعات المسلحة في ضوء جذوره الإسلامية وقبوله لدى الأطراف الأخرى ، وإن كان تحقيق مصالحة بين فئات الشعب الصومالي البالغ نحو عشرة ملايين نسمة ، وإنهاء إراقة الدماء في البلاد مهمة شاقة، فضلاً عن ضرورة التصدى لظاهرة القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية . ردود الأفعال .. متفاءلة فى غضون ذلك ، توالت ردود الفعل العربية والدولية المؤيدة لإنتخاب الرئيس الصومالى حيث حظى بترحيب لدى جامعة الدول العربية، التي أعلنت أن "الانتخابات اتسمت بالشفافية والنزاهة" ،وحظيت بمراقبة الجامعة العربية بجانب الاممالمتحدة والاتحاد الافريقي. وعلى الصعيد الدولى ، رحبت الولاياتالمتحدة بانتخابه ، ووصفته ب"النصير القوي" لاتفاق السلام مع الحكومة الانتقالية الموقع في جيبوتي ، وحثته على ضم طيف واسع من الصوماليين الرافضين للعنف والتطرف إلى حكومته الجديدة ، معلنة إستعدادها إلى التعاون مع حكومة "شريف" الموسعة في إطار السعي إلى تحقيق الديمقراطية والسلام في الصومال. مهام صعبة .. فى إنتظار الرئيس بيدوا على خريطة الصومال تنتظر الرئيس الصومالي الجديد تحديات عديدة ومهام صعبة ، من أهمها تحييد تنظيم "شباب المجاهدين" المنشق عن المحاكم الشرعية ،والذى تعهد بمواصلة القتال رغم الانسحاب الإثيوبي، فى مسعى الى تطبيق الشريعة الإسلامية، وسيطر على جزء كبير من الصومال بما فيها مدينة "بيداوا"مقر البرلمان والحكومة الانتقالية منذ 26 يناير/كانون الثانى 2009 م. توقعات وطموحات مستقبلية ويرى محللون أنه مع اعلان اثيوبيا سحب قواتها من الصومال بالاضافة إلى توقيع اتفاقيات جيبوتي للسلام واقتسام السلطة بين الحكومة الصومالية الانتقالية و المعارضة ، تغيرت المعادلة السياسية والعسكرية داخل البلد ، وألقت ظلال قاتمة على مستقبل البلاد حيث يخشى المراقبون من حدوث فراغ سياسي في الصومال يهيىء المناخ لعودة أمراء الحرب الذين سيطروا على معظم أنحاء البلاد منذ عام 1991 م أو وقوع أعمال عنف من قوات المحاكم الشرعية خاصة بعد انسحاب القوات الإثيوبية التى ساعدت الحكومة الصومالية فى الإطاحة بسلطة المحاكم ، ومن هنا يرون أن من الضرورة الأن إرسال قوة من الاتحاد الأفريقى تحل محل القوات الإثيوبية بالصومال . ويتوقع بعض المراقبين أن تضم القيادة الجديدة أعضاء من الاسلاميين المعتدلين داخل "تحالف إعادة تحرير الصومال المعارض"، الذي يسعى لإقناع بقية الجماعات المعارضة الجديدة التي تضم جماعة " شباب المجاهدين" وحلفاءها للانضمام للعملية في ظل المفاوضات المستقبلية قبل التسوية النهائية. إلا أن هذه الجماعة تعارض عقد أية محادثات مع ما تصفها بأنها "حكومة مرتدة" ،وتطالب بحكومة بديلة تطبق مبادىء واحكام الشريعة الإسلامية ، وعلى عكس ذلك أجرت القيادة السياسية في "تحالف إعادة تحرير الصومال" بزعامة القائد المعتدل الشيخ شريف محادثات سلام مع الحكومة الانتقالية ووقعت اتفاقية اقتسام السلطة . "الشيخ " .. الزعيم المعتدل ورجل السلام تصف "واشنطن" الشيخ شريف بأنه "زعيم إسلامى معتدل" وتعتبره وسيطا مفيداً يمكن أن يلعب دورا فعالا في الوفاق بين الفصائل الصومالية. ويتسم الشيخ شريف بالتواضع والبساطة فى تعاملاته اليومية ، وفقاً لروايات الاعلاميين والمقربين حيث لم يعين مديراً لأعماله ،و يرد على المكالمات الهاتفية بنفسه . وينتسب شريف لأسرة صوفية أدخلت من خلال جده الأكبر الشيخ موسى العقلي، الطريقة الادريسية الى الصومال في منتصف القرن التاسع عشر.. فقد ولد في 25يوليو/تموز 1964 م في مدينة "مهداي" التابعة لمحافظة "شبيلي الوسطى"، على بعد نحو 120 كم شمال شرقي العاصمة "مقديشو"، وينتمى إلى قبيلة "الإيجال" ، وكان والده يعده ليخلفه في قيادة الطريقة الإدريسية التي يرأسها إلاأنه إنتهج طريقاً مختلفاً ،فلم يصبح شيخ طريقة ، بل جمع بين دراسة العلوم الشرعية والقانون حيث استكمل تعليمه الديني ب"معهد مقديشو الديني" التابع للأزهر الشريف. وبعد تخرجه عام 1988 م ،اشتغل بتدريس قواعد النحو العربي والبلاغة، وبحلقات دينية بالعاصمة "مقديشو" حتى عام 1991م ، الذي اندلعت فيه الحرب الأهلية بالصومال ،فسافر لاستكمال تعليمه بالسودان ، حيث حصل على منحة دراسية بكلية الآداب والتربية بجامعة "كردفان" في مدينة "الدلنج" ، وتوقف عن الدراسة بعد عامين لإصابته بمرض الملاريا، ثم تخرج في كلية الشريعة والقانون بالجامعة المفتوحة بليبيا عام 1998 م ، بعد ذلك عاد إلى بلدته بالصومال لزيارة أسرته ، ومارس مهنة التجارة بمحل لصناعة وبيع الحلوى مع شركاء اخرين بعد عودته من ليبيا ،وانتقل إلى مدينة "جوهر" عام 2002م. كما ساهم في دفع الحركة التعليمية والثقافية بالصومال، حيث أسس وترأس كل من جمعية الشرق للتراث والثقافة،و نادي الخريجين عام 2003 م . وفي العام نفسه ، بدأ أولى خطواته فى عالم السياسة حين قامت إحدى ميليشيات أمراء الحرب باختطاف أحد تلاميذه ميسورى الحال طمعاً فى طلب فدية ، لإطلاق سراحه ،فشارك "الشيخ أحمد" بنفسه في التفاوض مع الخاطفين ، وبعد تحريره بأيام، إقترح الأهالي فكرة إنشاء محكمة شرعية ، تدعمها قوة من رجال الشرطة لصد هجمات قطاع الطرق وتنفيذ الأحكام التي تصدرها المحكمة . عناصر من قوات المحاكم الشرعية وفي عام 2005 م ، تم تأسيس "إتحاد المحاكم الشرعية " بمقديشو استجابة لدعوة "الشيخ شريف " الذي انتخب رئيساً له ، نظراً لتعمقه في العلوم الإسلامية، وتحت زعامته ، نجحت المحاكم –حسب رأى محللين - في اعادة قدر من الاستقرار الى مقديشو وجنوبي الصومال قبل اطاحة القوات الاثيوبية بها عام 2006 م ، حيث أجبرت تحالف أمراء الحرب على التراجع بعد سيطرتهم على العاصمة لمدة 15 عاما. وقد أطلقت الأممالمتحدة عملية مصالحة ، أسفرت عن إقناع عدد كبير من المحاكم الشرعية بالانضمام إلى الحكومة الانتقالية بشرط إنسحاب قوات إثيوبيا بعد عامين من إقتحامها البلاد ،وفرار "الشيخ " الى المنفى فى كينيا. وقبل الانضمام للحكومة انفصل الشيخ شريف عن المعارضة، وتعهد بإقامة سلام مع إثيوبيا والتواصل مع حلفائه السابقين لإنهاء موجات العنف المتلاحقة ، كما حصل على عدة أنواط ونياشين تقديراً لمساعيه الوطنية .