الجمهورية :18/1/2008 قد يكون هناك الكثير من المفردات والمعاني لدي البعض لوصف ما يحدث ويقع من أحداث مؤسفة وقد يبرعون في توصيفهم للمواقف المحزنة والمؤلمة ولديهم القدرة علي التعبير عن الكارثة الإنسانية وتوصيفها ورسمها بالكلمات ولطالما كان هناك العديد من المرثيات المعروفة تاريخيا في الأدب حتي في التوراة ذاتها وهناك سفر بأكمله معروف باسم "مراثي آرميا" وهو أحد أنبياء بني إسرائيل والذي كان يطلق عليه النبي الباكي وهو القائل تلك العبارة "ليت رأسي ماء وعينيا ينبوع دموع لأبكي قتلي بنت شعبي" حتي هذه المراثي لا تستطيع أن تقربنا بما يحدث اليوم في "غزة" أو تصف تلك البشاعة التي تنطوي عليها فهي تجتاز الآن في معصرة الغضب والصلف الصهيوني وقليل علينا قول نبي إسرائيل الباكي الذي تمني أن يكون رأسه نهراًَ من المياه المتدفقة وعينه ينبوع دموع ذلك هو لسان حال كل عربي الآن بل وكل من مازال بداخله الإنسان لم يمت. إذ بدأت تسري في العالم موجات من الغضب والاستياء مما تقترفه إسرائيل من جرائم بربرية قد لا يكون هناك مثلها في التاريخ قديمه وحديثه حتي وإن كان ذلك علي مستوي الشعوب بعيداً عن الحكومات والمصالح السياسية المغرضة والتي صارت بمثابة عصابات أعصبت بها الدعاية الصهيونية عيون الساسة والحكام الذين أصبح الحيدان عن الحق لديهم فضيلة وصيات المشايعة والتأييد لإسرائيل بينما تذهب إليه فريضة دهرية لديهم.. ولكل من يرفضون نظرية المؤامرة التاريخية ولا يؤمنون بها ها هي إسرائيل تكشف لهم عنها وتأتيهم بالدليل القاطع. إذ إن ما يحدث في غزة هو دليل قاطع ونموذج حي للمؤامرة التاريخية التي تتعدد أطرافها علي نحو كبير وتكاد تضم الجميع وعلي رأسهم ذلك المجتمع الدولي بإطاره المؤسسي "الأممالمتحدة" ومؤسساته ومنظماته السياسية وتكتلاته وتحالفاته وهو يقف الآن يشهد ما يحدث دون أن يتحرك أو يسرع لنجدة ذلك الشعب الذي يجتاز في معصرة الدماء. لقد اقترب عدد الضحايا والشهداء الخمسة آلاف ومع ذلك لم يتحرك مجلس الأمن وماذا عساه أن يفعل؟.. إذ لطالمنا اختبرنا قراراته الهزيلة التي لا تسمن من جوع اللهم إنها سوف تضيف إلي رصيد المادة الأرشيفية حول ذلك الصراع واحداثه وتطوراته في إطار تلك المؤامرة الكبري التي حاكتها إسرائيل منذ زمن بعيد من أجل تحقيق مخططها الصهيوني المعلوم والمعروف لجميعنا.. إن دماء الشهداء من الاطفال سوف تقف شاهدا حيا يصرخ في وجوه ذلك العالم الصامت الذي لا نقول قد فقد أهليته بسكوته وتفضيله الجلوس في مقاعد المتفرجين ولكن قد فقد إنسانيته أو هويته الإنسانية وذلك عندما سكت عن دماء الشعب الفلسطيني ولاسيما الاطفال.. لقد كانت فظاعة الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل من القوة بحيث إنها قد أثارت موجات غضب واعتراض في الكثير من عواصم العالم حتي من الإسرائيليين أنفسهم واجتاحت المظاهرات الشوارع فلم تمنع الأمطار الأمريكيين من الخروج إلي الشوارع والتنديد بما تقوم به الحكومة الإسرائيلية بل قد طالبت بمحاكمة القيادات الإسرائيلية كمجرمي حرب "في تل أبيب خرجت المظاهرات وهي ترفع شعار لا للحرب وكفي نارا علي الأطفال" وقد تنوعت أشكال وصور التنديد. ففي فرنسا قد وصل الأمر إلي حد التراشق بالحجارة مع السلطة وفي ألمانيا قد كان من خلال إلقاء الأحذية علي السفارة الإسرائيلية.. إن ما يحدث في غزة هو خطأ جسيم ترتكتبه إسرائيل وهي حرب وحشية لا هدف لها سوي سفك الدماء وإذكاء نيران الكره والحقد في الصدور وأن أهدافها المعلنة هي مجرد دعاوي وافتراءات فليست هي صواريخ كتائب القسام المحلية الصنع التي لا تعدو أن تكون سوي مجرد فرقعات محصلتها تكاد تكون معدومة وهي لا تقارن بالمرة بما يحدث الآن في معصرة الدماء الصهيونية التي تدور الآن في غزة وتروي إسرائيل ظمأها من عصير دماء أطفالها الأبرياء والتي تلطخ أيادي وثياب قادة إسرائيل الآن بعدما فضحت بجلاء الصهيونية وكشفت عن وجهها القبيح أمام الرأي العام العالمي الذي بات الآن في حالة من الخصومة مع نظمه السياسية وحكوماته التي يري في سكوتها تواطؤاً مع حكومة صهيون.. إن هذه المظاهرات والاحتجاجات التي تعم عواصم العالم تعبيراً عن الغضب لما يحدث في غزة تؤكد أن هذه الحرب هي حرب بلا أهداف وإنها خطأ وغلطة كبيرة قد لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية مداراتها أو مداواتها لقد صدقت نبوءة وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق يوسي بلين الذي حذر من مغبة هذه الحرب عند اندلاعها ووصفها بأنها حرب بلا أهداف وأن المحصلة الوحيدة لها هي زيادة الكره العربي لإسرائيل من جانب الملايين من المسلمين الذين يجلسون أمام شاشات التليفزيون يشاهدون هذه المجزرة التي تجري بغزة ولكن ما لم يكن يتوقعه وذلك تعويلاً علي صمت المجتمع الدولي والرأي العام الدولي علي المستوي غير الرسمي أو علي الأقل حياده وهو أن يثير ما يحدث في غزة الكره العالمي لإسرائيل الذي تعبر عنه هذه المظاهرات وأشكال التعبير عنها المختلفة هذه المرة وذلك بالنظر لقوة الجرم الذي ارتكبته إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني.. إن مأساة غزة اليوم التي تسطر بدماء الأطفال الفلسطينيين قد فاقت كافة المذابح السابقة التي قام بها جزارو صهيون من حيث كم الدماء وعدد الشهداء.. فهي وبحق معصرة دماء يجاز فيها الاطفال والنساء وسيبقي الدم الفلسطيني ليس فقط المستنقع الذي ستوحل فيه أقدام الصهيونية ولكن أيضاً "الدين" الذي يقع في رقبة من انقسموا علي أنفسهم من الفلسطينيين والعرب أولاً وساسة وحكام العالم الذين غضوا الطرف عما يحدث والذين يحاولون الآن غسل أيديهم من هذه الدماء ويعلنون براءتهم منها ولكنهم ليسوا منها ببراء.