تتسابق دول أميركا اللاتينية في الوقت الراهن، إلى نزع فتيل أسوأ أزمة دبلوماسية تواجه القارة خلال سنوات، وذلك بعد أن قطعت كل من الإكوادور وفنزويلا علاقاتهما الدبلوماسية مع كولومبيا، ونشرتا قواتهما على الحدود معها، وأصدرتا تهديدات بشن الحرب ضدها، وذلك في أعقاب إقدامها على توجيه ضربة جوية يوم السبت الماضي إلى المتمردين اليساريين، الذين يعملون من قواعد تقع داخل الإكوادور. على الرغم من أن معظم الخبراء، يرون أن نشوب حرب شاملة بين كولومبيا من جانب وفنزويلا والإكوادور من جانب آخر أمر غير محتمل، فإنهم يحذرون في الوقت ذاته من أن المعارك الكلامية، والتهديدات باستخدام القوة، يمكن أن تهدد الجهود الرامية لتجنب انفجار الأزمة الحالية. فقد اعتذرت كولومبيا عن الغارة التي شنتها قواتها يوم السبت الماضي، والتي أدت لمصرع ''راؤول رييس'' -زعيم ما يعرف ب''القوات المسلحة الثورية لكولومبيا'' (فارك)- وذلك قبل أن تعود يوم الاثنين، لتدعي أن المعلومات التي حصلت عليها من أحد الكمبيوترات -استولت عليها أثناء الغارة- تثبت أن الرئيس الفنزويلي ''هوجو شافيز'' هو الذي كان يمول حرب العصابات التي تشنها هذه المليشيا، وأن رئيس الإكوادور اليساري ''رافائيل كوريا'' -حليف ''شافيز''- كان قد أرسل وزيراً لإجراء مباحثات مع المتمردين، إلى ذلك كان راديو كولومبيا قد أذاع بيانا جاء فيه أن مليشيا (فارك) قد حاولت من قبل الحصول على مواد مشعة لاستخدامها في صنع قنبلة قذرة، ولكن الإكوادور وفنزويلا نفيتا هذه الادعاءات نفيا قاطعا. يشار إلى أن السيد ''كوريا'' قد وصل إلى ''بيرو'' أول من أمس الثلاثاء، في بداية جولة تشمل أربع دول للمنطقة، وذلك بغرض جمع التأييد اللازم لموقف بلاده ضد ما يصفه بأنه إخلال متعمد بسيادتها من جانب كولومبيا، واستصدار قرار من منظمة الدول الأميركية تدين فيه كولومبيا بانتهاك سيادتها، وفي مواجهة ذلك قال ''فيسنتي تورجوس'' -خبير العلاقات الدولية المقيم في العاصمة الكولومبية ''بوجوتا''-: إن بلاده ستدافع عن نفسها استنادا إلى مواد قانون مقاومة الإرهاب، الذي يمنع الدول من توفير أي نوع من الدعم -إيجابيا كان أم سلبيا- للكيانات والأشخاص الذين يتورطون في أعمال إرهابية. يعلق الرئيس'' كوريا'' على ذلك بقوله: ''إن المسألة ليست ثنائية، وإنما هي مسألة إقليمية في الأساس، وإذا ما نظر البعض إلى ما حدث على أنه يمثل سابقة يمكن تكرارها، فإن أميركا اللاتينية يمكن أن تتحول إلى شرق أوسط جديد''، ويقول المراقبون: إن الأيديولوجيا والسياسات هي التي تقف وراء التدهور الحالي والسريع في الأوضاع، ويشيرون في هذا السياق على سبيل المثال، إلى ما قاله الرئيس ''شافيز'' في برنامجه الأسبوعي، وهو أن كولومبيا لو حاولت أن تشن غارة مماثلة على بلاده ''فإنه سيعتبر ذلك سببا كافيا لشن الحرب ضدها''، كما يشيرون إلى تعليق ''كارلوس روميرو'' -أستاذ العلوم السياسية بجامعة فنزويلا المركزية- على تصريح رئيسه بقوله: ''إن شافيز قد أخذ المسألة بصفة شخصية، على الرغم من أن ما حدث من تطورات أمر يخص الحكومتين الكولومبية والإكوادورية فقط ولا شأن لفنزويلا بها''. ويشار في هذا السياق إلى أن العلاقات بين ''شافيز'' وبين الرئيس الإكوادوري ''ألفارو أوريبي'' -الذي يتهمه ''شافيز'' بأنه صنيعة للولايات المتحدة- قد تدهورت منذ أن حاول ''شافيز'' التوسط من أجل تأمين صفقة للإفراج عن رهائن كانوا محتجزين لدى منظمة'' فارك'' في كولومبيا. تعرضت كولومبيا أيضا إلى انتقادات بسبب إقدامها على شن الهجوم الأخير على الإكوادور دون توجيه إنذار مسبق لها، ولإقدامها بعد ذلك على توجيه اتهامات متزامنة لكل من الإكوادور وفنزويلا. وعلى الرغم من أن بعض المحللين السياسيين مثل ''أدريان بونيلا'' -المحلل السياسي في ''كلية أميركا اللاتينية للعلوم الاجتماعية'' في ''كويتو''- يرون أن عملية تخفيف التوتر بين كولومبيا والإكوادور، عملية محفوفة بالمصاعب في الوقت الراهن إلا أن بعض هؤلاء المراقبين يتوقعون أن تتحسن العلاقات بين كولومبيا والإكوادور سريعا، وهو ما يرجع إلى عدم وجود خلاف أيديولوجي بين البلدين، وأن دخول ''شافيز'' على الخط هو الذي ساهم في تصعيد الموقف، ويشار في هذا السياق إلى أن التوتر بين البلدين يؤجج العواطف الوطنية فيهما، فكما يقول السيد ''بونيلا'' فإن معظم الناس في الإكوادور من جميع الفئات الاجتماعية، ومن كافة الخلفيات الأيديولوجية يرفضون تصرف رئيسهم حيال الأزمة، أما في كولومبيا فإن معظم أفراد الشعب يؤيدون موقف حكومتهم. ويشار في هذا الصدد إلى أن دول المنطقة قد سارعت باتخاذ مواقف سواء بالتأييد أو المعارضة دون انتظار لبحث الموقف من جميع جوانبه وهو ما يرجع إلى ضعف المؤسسات المتخصصة الموجودة في تلك الدول، وذلك كما يقول ''رويردان رويت'' -مدير برنامج دراسات أميركا اللاتينية في مدرسة ''بول إتش نيتزي'' للدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن التابعة لجامعة ''جون هوبكنز''، ويضيف رويت إلى قوله: ''إن الآليات التي يمكن بها حل المشكلات العالقة بين الدولتين لا توجد، وهكذا فإنه بدلا من قيام كل دولة بمطالبة سفير الدولة الأخرى بالمغادرة، كان المفترض أن يكون هناك حوار بين وزراء الخارجية والمبعوثين الخصوصيين من البلدين''.