بعد أن كانت الأم تتكفل بمقابلة العروس والتعرف عليها والتدقيق في أدق تفاصيل ملامحها وطباعها، بعد أن تنتخب أفضل الوجوه التي سترافقها لمقابلة العروس المنتظرة، أصبح على الأمهات أن يحملن جهاز التحكم عن بعد «الريموت كنترول» لمراقبة محطات الزواج التي باتت تزخر بالعزاب والباحثين عن أزواج ومعارف من الجنسين. عددها في تزايد يومي وأشكال التعارف فيها تتشابه بقدر ما تختلف فجميعها تعتمد مبدأ إرسال الرسائل القصيرة (SMS) للمحطة، تعرض من خلالها مواصفات مقدم الطلب ومواصفات النصف الآخر المطلوب كل محطة بحسب طريقتها وبتصاميمها فيما ترفق بعض المحطات الأخرى مجموعة من الإعلانات لوصفات وعلاجات شعبية بالأعشاب لأمراض مختلفة،أو تقدم نصائح في العلاقات الزوجية والأسرية، وغيرها من هذه الأمور. وحتى الآن لم تجرؤ غالبية هذه المحطات على عرض صور لمقدمي الطلب لأسباب منوعة أبرزها المجتمع المحافظ الذي مازال يتعامل بالرفض والتحفظ مع هذا النوع من القنوات الفضائية وعلى رغم هذا الإعلان الرافض فإن ما نشاهده يومياً من عدد مهول من الأسماء المشاركة التي جعلت من عدد المشتركين في هذا النوع من القنوات الفضائية يصل إلى الآلاف، يجعل الكثيرين يعيدون النظر في مسألة وجود فئة تقبلت الفكرة وبدأت بالتعامل معها حتى وإن كان الهدف من تداول الرسائل عبرها ليس الوصول إلى النصف الآخر والزواج - وهي الخدمة التي يفترض أن تقدمها هذه المحطات - وإنما مجرد التسلية وتمضية وقت الفراغ وأحياناً العبث. وفي غالبية الأحيان تتميز مواصفات المتقدم بالطلب بالمثالية أو مقاربتها بدرجة ما وتتصف مواصفات الشريك المطلوب بأنها مواصفات صفقة ممتازة، فمن بين أهم الطلبات التي تتكرر في غالبية الأوقات، الموظفون والموظفات والأثرياء والرجال الكبار في السن. ولا يمكن اعتبار هذه الطريقة بالتعارف أمراً جديداً، فالتعارف عبر صفحات مخصصة في بعض المجلات مسألة قديمة جداً ظهرت قبل سنوات وسنوات في الوطن العربي، وتعرف من خلالها الكثيرون وتزوج بعضهم بعضاً واكتشف بعضهم سطحية استعمالها كوسيلة لتأسيس أسرة. وكون التلفزيون هو الوسيلة الجديدة الآن للزواج عبر المراسلة، فإن الإنترنت ولفترة طويلة وفر صفحات وصفحات من مواقعه لتقديم خدمات التعارف والزواج عبر النت، كللت بعض هذه التجارب بالوصول إلى يوم العرس، ولا نعرف بعد ذلك إن كان تأسيس أسرة عبر هذه الطريقة أنتج كياناً سليماً وناضجاً. وخلال السنوات الماضية حاولت بعض المحطات أن تعرض بعض برامج تلفزيون الواقع أو ما يسمى «الريالتي شو»، التي تقوم على فكرة مجموعة من الشبان أو الشابات الباحثين عن طرف آخر يقبل بهم كأزواج وشركاء في الحياة لتتحول مسألة الزواج من خلال البرنامج من مسألة يفكر فيها الإنسان بعمق وتعقل وحرص ليكون خياره هو الصائب والصحيح إلى مسألة خاضعة بدرجة ما لرأي الجماهير التي قد تصوت للعريس الفلاني أو للعروسة الفلانية فيصنع الجمهور عبر هواتفه النقالة ورسائله القصيرة أسرة، ضمان استمرارها ونجاحها لا تزيد نسبته عن ضمان المرسل للتصويت وصول صوته عبر رسالته. ولعل كثرة التعديات التي تصدر من هذه المحطات والبرامج على أمور هي من المقدسات في مجتمعنا، الأسرة والزواج والعفة... هي من خلقت جبهات وليس جبهة واحدة لمحاربة هذه النماذج المتاجرة والساعية للربح حتى لو على حساب أحد أهم مقومات المجتمع. كما أن كثرة عمليات النصب والخداع والمقالب عبرها ساهم أيضاً في كثرة المتصدين لها. إلا أن الغريب أنه على رغم كثرة المواقف الرافضة لهذه الوسيلة، فإن عددها في تزايد دائم وروادها لا يتركون شاشتها من دون مشاركات تتجدد على مدار ساعات اليوم. وسواء أكانت العروس جميلة أم قبيحة، سمينة أو نحيلة، بيضاء أو سمراء، من سكان الأرض أو القمر، فإن ما يحدث عبر هذه الشاشات لا يضمن لأحد من المشاركين الشباب مثلاً، أن يطرق باب عروسه المرتقبة ويجد الوجه نفسه الذي تخيله وراسله لساعات وساعات عبر محطات الخطبة والزواج... والقصص والحكايات عن مقالب وقعت لكثيرين بدأت تصبح كثيرة.