ظاهريا بدا الامر منطقيا اذا كان لا بد ان تتلقى المجموعة المؤلفة من اسلاميين راديكاليين تحارب الجيش اللبناني وابلا من رصاصه وسط خرائب مخيم اللاجئين في »النهر البارد«، لكنْ ليس هناك نهر في الواقع. وكان لا بد ان تمطر طائرات الجيش اللبناني المروحية من طراز »غزال« بنيران مدافعها الرشاشة هؤلاء المقاتلين في فصل آخر من الحرب على الارهاب، لكن ما يجري في الواقع ليس الا مأساة اخرى تأتي في السياق المعروف نفسه في هذا الصراع فمن الملاحظ هنا ان الطائرات المروحية اللبنانية (غزال) ليست مزودة بالصواريخ تطبيقا لرغبة امريكية وذلك لخشية اسرائيل من ان يتم استخدام مثل هذه الصواريخ ضد قواتها. وكان البلجيكيون قد عرضوا ايضا تزويد الجيش اللبناني بدبابات من طراز »ليبارد« لكن الولاياتالمتحدة احبطت هذه الصفقة لخشيتها من ان يستخدم اللبنانيون مثل هذه الدبابات المتقدمة ضد الاسرائيليين. وهكذا يتم تسليح اللبنانيين بما يكفي لمقاتلة الفلسطينيين وبما لا يكفي لمحاربة اعدائهم على حدودهم الجنوبية. لكن هل يتمتع مقاتلو فتح الاسلام بدعم سورية حقا؟ ربما يكون هذا الامر صحيحا الا ان ثمة شيئا مألوفا من قبل بدأ يظهر في الآونة الاخيرة وهو ان الصليب الاحمر الدولي بدأ يستخدم عبارة »كل الاطراف« في مطالبته لوقف اطلاق النار وهذه عبارة جرى استخدامها على نحو مشوش خلال الحرب الاهلية التي عصفت بلبنان بين عامي 1975 و1990 وهو يستخدمها الآن كما لو ان مسلحي فتح الاسلام في النهر البارد هم مقاتلون في حرب اهلية وليسوا مجرد عصابة قتلت 20 جنديا لبنانيا قبل اكثر من اسبوعين. بل واضفت هيئة الاذاعة البريطانية شيئا من السمة الطبيعية لهذه الحرب عندما تحدثت عن شبكة معقدة من الممرات الضيقة والابنية الخرسانية في النهر البارد كما لو ان مخيمات اللاجئين في الشرق الاوسط مبنية من شيء آخر. لكن، هل بمقدور الجيش اللبناني حقا خوض حرب امريكا في شمال البلاد؟ الواقع ان هذا الجيش تمكن من المحافظة على تماسكه ووحدته بالرغم من انه يتشكل من طوائف مختلفة »سنة، شيعة، دروز، ومسيحيين«، غير ان هذا الجيش لم يوجد لخوض حروب الغرب في الشرق الاوسط. فقبل نحو اسبوع عقد اجتماع سري في جنوب لبنان تحدث خلاله ضباط استخبارات فرنسيون، ايطاليون واسبانيون يعملون في سفارات بلادهم في بيروت، مع مسؤولين كبار من حركة حزب الله المقاتلة التي تعتبر اكبر عدو لاسرائيل في لبنان. وتلقى ضباط الاستخبارات هؤلاء، كما كانوا يتوقعون، تطمينات من مسؤولي الحزب بتوفير الحماية لجنود تلك الدول العاملين في نطاق قوة حفظ السلام في جنوب لبنان من القاعدة واصدقائها في فتح الاسلام، غير ان هؤلاء الضباط تلقوا تأكيدا ايضا من ان لبنان سيشهد حربا اشرس من حرب الصيف الماضي التي وقعت بين شهري يونيو ويوليو واستمرت 34 يوما وذلك اذا هاجمته اسرائيل مجددا. والواقع ان الحزب يقوم الآن ببناء طرق جديدة ومخابىء شمال نهر الليطاني استعدادا للمعركة المقبلة مع اسرائيل ويبدو ان هذه الاعمال لا تستحوذ على الاهتمام الآن في ظل الصراع الدائر في الشمال.