لايزال الجدل محتدما بين الحكومة اللبنانية و المعارضة حول إقامة المحكمة الدولية وفى محاولة لتسوية الأزمة السياسية اللبنانية وكسر حالة الجمود التى تحيط بتشكيلِِ المحكمة ، أعلن مسئولون لبنانيون اليوم أن رئيس الوزراء فؤاد السنيورة طلب من الأممالمتحدة إقامة المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة المشتبه بتورطهم فى اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريرى حيث أشاروا إلى أن "السنيورة " أرسل رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أمس ، طلب فيها من مجلس الأمن التحرك لإقامة المحكمة الدولية بعد فشل كل المساعى لإقرار المحكمة فى مجلس النواب اللبنانى. وفى الاطار نفسه ، شدد رئيس الوزراء اللبنانى فى كلمته اليوم بافتتاح الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية على ضرورة تأسيس المحكمة لكشف حقيقة جريمة اغتيال "الحريرى" و جرائم الاغتيال الأخرى معتبرا أن المحكمة الدولية تشكل الرادع الوحيد أمام استمرار الجرائم و الاغتيالات التى يتعرض لها لبنان و قادته منذ نحو30 عاما . وقد اكد النائب اللبنانى عاطف مجدلانى عن تيار المستقبل أن حل الأزمة اللبنانية لا يمكن أن يتم بدون إقامة المحكمة مشيراً إلى أنها ستحمى لبنان مما أسماه المسلسل الارهابى الذى يتحكم بمصير البلاد .
وتتهم الأغلبية البرلمانية "المناهضة لسوريا" المعارضة التى تضم حلفاء لدمشق بمحاولة عرقلة إقامة المحكمة الدولية لحماية حلفائها بالحكومة السورية المتهمين بالضلوع فى جريمة اغتيال" الحريرى " التى وقعت فى فبرايرعام 2005 ، وفى تنفيذ سلسلة من الهجمات الأخرى ضد شخصيات لبنانية مناهضة لسوريا، بينما تنفى سوريا بقوة أى تورط لها فى هذا الأمر. وفى غضون ذلك ، تجرى حاليا الأممالمتحدة تحقيقاً فى تلك الهجمات وتطالب الأغلبية بعقد جلسة للبرلمان حتى يتمكن النواب من التصويت على مسودة قرار بشأن تأسيس المحكمة الدولية ، لكن نبيه برى رئيس مجلس النواب اللبنانى ، وهو من زعماء المعارضة وحليف لدمشق لم يوجه بعد الدعوة لانعقاد البرلمان ، قائلا إنه لن يدعوه لإجراء نقاش بشأن المحكمة الدولية لحين تشكيل حكومة جديدة حيث يعتبر رئيس مجلس النواب اللبناني الحكومة الحالية برئاسة فؤاد السنيورة غير دستورية. كما تطعن المعارضة التى تضم حزب الله فى شرعية الحكومة الحالية التى أقرت النظام الأساسي للمحكمة ، مشيرة إلى موافقتها على فكرة المحكمة ، ولكنها تخشى أن تستخدم كأداة سياسية ضدها .وكان زعيم حزب الله حسن نصر الله قد حذر مؤخرا من أن هذه المحكمة هي "محكمة ضد لبنان وليست من أجل محاكمة قتلة الحريري".
وقد تقدمت الأغلبية المناهضة لسوريا فى البرلمان اللبنانى بالتماس إلى الأممالمتحدة الأسبوع الماضى يطالب باتخاذ خطوات باتجاه تشكيل المحكمة ،ودافعت الأكثرية النيابية عن المذكرة التى قدمتها للأمم المتحدة موضحة أنها لا تعني إغلاق الباب أمام إقرار المحكمة في البرلمان وفق الأصول الدستورية إذا تراجع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن رفضه عقد جلسة لطرحها على التصويت.ورداً على هذه المذكرة ، أكدت الأممالمتحدة أنها ستنظم المحاكمة خارج لبنان مشيرة إلى أنه سيشارك في المحكمة قضاة لبنانيون ودوليون.
وكان بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة قد دعا إلى الحوار لحل الأزمة السياسية التي تعصف بلبنان خلال اجتماعه مع زعماء لبنانيين في بيروت أواخر الشهر الماضى .حيث أعلن في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة عن وجوب الإسراع في إقرار المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة المشتبه في تورطهم باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري مؤكداً أنه يريد إجماعاً لبنانياً بشأن إقامة المحكمة حيث أنه من السابق لأوانه الحديث عن إنشاء المحكمة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة ، نظراً لأنه لم تتخذ بعد الإجراءات الدستورية اللبنانية نحو الموافقة على المحكمة ، كما أن الفصل السابع من الميثاق يجعل قرارات مجلس الأمن إلزامية بموجب القانون الدولى .
ويرى بعض المحللين السياسيين أنه لاتوجد بوادر مبشرة بقرب انتهاء الأزمة السياسية فى لبنان وانه من المحتمل ان يقود الصراع بين التحالف الحكومى و المعارضة إلى تشكيل حكومتين فى وقت لاحق مما قد يؤدى إلى تصاعد وتيرة الأزمة مستبعدين اندلاع حرب أهلية أخرى ويرون أن حل الأزمة المستمرة منذ أكثر من 5 أشهر يبدو معلقا على اتجاه الصراع السياسى فى المنطقة بين الولاياتالمتحدة و ايران اللتين تدعم كل منهما أحد الفريقين المتنافسين حيث يصف حزب الله الحكومة بأنها دمية بيد الولاياتالمتحدة بينما يرى التحالف الحكومى أن المعارضة تتلقى الأوامر من ايران و سوريا .
الجدير بالذكرأن الجدل المحتدم حول تشكيل المحكمة الخاصة بمحاكمة المشتبه فى تورطهم فى مقتل "الحريرى" يقع فى قلب أسوأ أزمة سياسية يمر بها لبنان منذ الحرب الأهلية التى اندلعت بين عامي 1975 و 1990 .
وقد مدد مجلس الأمن الدولي مؤخراً ولاية لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري لمدة عام تنتهي بحلول شهر (يونيو) 2008.وجاء هذا التمديد بعد توصية رئيس لجنة التحقيق القاضي البلجيكي سيرج براميرتس في تقريره الأخير بتمديد فترة عمل اللجنة لمدة سنة بسبب عدم قدرته على التوصل إلى نتائج عند انتهاء فترة عمله الحالية في شهر حزيران (يونيو) المقبل كما أشار تقرير رئيس لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في جريمة اغتيال" الحريري "في سبتمبر الماضي إلى تعاون يبعث على الرضا من جانب دمشق مع لجنته. إلا أن التقرير المؤقت السابق للأمم المتحدة والذي صدر في ديسمبر2005 أشار إلى تورط مسئولين سوريين في الجريمة.