صحيفة بوليتيكو Politico الامريكية و هى من الصحف القليلة غير المنتمية لاحزاب او جماعات ضغط موثرة فى العاصمة واشنطن ،وقد نشرت تقريرا جديدا تحت عنوان " لماذا اصبح بوتن لا يهاب الغرب ؟ .. و هو تعبير يكتنفه التساؤل تم اختياره ليكون مقدمة لتوضيح كيف تجاسر بوتن على تحدى بروكسل و واشنطن و اعلن التدخل العسكرى فى اراض جارته الغربيةاوكرانيا !! و تستهل الصحيفة تقريرها بالتاكيد على ان المشهد الان على الجانب الاخر من روسيا ، يبدو فيه الغرب ذاهلا وغير مصدقا لما يفعله فيلادمير بوتن بعد قراره بغزو الاراضى الاوكرانية .. دبلوماسيون ألمان، و فرنسيون و معهم المنظرون البيروقراطيون والنقاد السياسيون الأميركيون يتسائلون عن الاسباب التى دفعت روسيا لاختيار المقامرة بمصالح وعلاقات تزيد قيمتها عن التريليون دولار مع الغرب؟ لقد تفأجأ القادة الغربيون لأنهم لم يدركوا ان الروس لم يعودوا يحترمون الأوروبيين و لا ينظرون لهم الان بنفس الطريقة التي كانوا ينظرون لهم بها بعد انتهاء الحرب الباردة ، فروسيا الان تنظر الى الغرب و ترى ان كل شىء مرتبط بالمال و الاقتصاد ، كذلك بوتين شخصيا يعى هذا الامر جيدا ايضا .. فلسنوات طوال دأب حكام روسيا على ابتياع اوربا بما ملكوا من اموال ، و اصبح لديهم القصور والشقق الفاخرة على طول السواحل من وست ايند West End في لندن إلى كوت دازور Cote d'Azure فى فرنسا . و ابنائهم يدرسون فى المدارس الفاخرة فى كلا من بريطانيا و سويسرا و تم تامين مستقبلهم بالودائع و الاموال التى يتم إخفاؤها بعيدا في البنوك النمساوية والملاذات الضريبية الامنة البريطانية. الدائرة الداخلية المحيطة بالرئيس بوتن لم تعد تخشى سطوة الاتحاد الأوروبيفقد اصبحوا يعرفونهم الان اكثر و رأوا بأعينهم كيف ان الأرستقراطيين الغربيين وأباطرة الشركات يتحولون فجأة و يذعنون عندما تأتي المليارات لهم الروسية .. لقد اصبح الروس ينظرون لغرب الآن باعتبارهم منافقين فنفس النخب الأوروبية هى التى تساعدهم على إخفاء ثرواتهموالمصرفيين الأوروبيين ورجال الأعمال والمحامين هم الذين يقومون بالعمل القذر لهم بوضع العائدات المتأتية من الفساد في مخابئ ببنوك جزر الأنتيل الهولندية وجزر فيرجن البريطانية. و الحديث عن المال الروسى ، هو حديث عن المال الوفير جدا ، حيث يقدر البنك المركزي الروسى بأن نحو ثلثي 56 مليار دولار خرجت من روسيا في عام 2012 و هى عائدات غير قانونية نتيجة جرائم مثل الرشاوى، أموال المخدرات أو التهرب الضريبي ، و مثل هذه النوعية من الاموال هى ما يقوم المصرفيون الإنجليزي بالبنوك الفاخرة بمد السجادة الحمراء لها في لندن. وخلف الفساد الأوروبي، ترى روسيا الضعف الأمريكي ، و الكرملين لا يعتقد ان الدول الأوروبية - باستثناء ألمانيا - مستقلة حقا عن الولاياتالمتحدة. بل يرون الدول الاوربية كوبليلا عميلة و تابعة تقودها واشنطن الآن، و كما سبق وفعلت من قبل خلال الحرب الباردة، ولكنها لا تستطيع القيام بمثل هذا الامرمع الكرملين. كذلك من العوامل المؤثرة ايضا .. عندما ترى روسيا كل من اسبانيا وايطاليا واليونان والبرتغال يزايدون بعضها البعض لكى يكونوا الشريك الافضل بالاعمال لروسيا داخل الاتحاد الأوروبي ( وذلك في مقابل عدم ذكر اى شىء عن حقوق الإنسان) ، كما تعى موسكو ان قبضة تحكم أميركا على أوروبا تنحل ببطء .. ناهيك عن سماع الكرملين للضعف الامريكى يتسرب من داخل سفارتهم فى موسكو . كما يرى الكرملين موقف البيت الابيض متزعزعا وضعيفا فى افغانستان و سوريا و مع ايران ، بل ان واشنطن فى حاجة للدعم الروسى للخروج من افغانستان او عقد مؤتمر سلام لسوريا او حتى تنفيذ عقوبات على ايران. كل هذه العوامل و المتغيرات جعلت فلاديمير بوتن يجرؤ على اتخاذ قرار التدخل العسكرى فى اراضى اوكرانيا ، غير عابىء بكونها مغامرة قد تؤدي الى فرض عودة العقوبات الاقتصادية ابآن الحرب الباردة و التى ستضربالاقتصاد الروسى اذا تم فرض حظر على تصدير الأجزاء الرئيسية لصناعة النفط، او الحد من قدرة موسكو للوصول إلى القطاع المصرفي الغربي. . و لقد سببت مناورة بوتين حول الازمة الأوكرانية صدمة لمؤسسة السياسة الخارجية الامريكية ، لأنهم يفضلون الحديث عن الصين، أو المشاركة في محادثات السلام الاسرائيلية الفلسطينية ، اما عن روسيا و اوكرانيا فهذا امر جديد و غير متوقع . و الغريب ان موسكو ليست فى حالة عصبية ، على الرغم من علمها بان اغلى ما تملكه التخب الروسية و اغنيائها موجود على الاراضى الاوربية وفى حسابات بنوكها الكبرى ؟!! .... نظريا يمكن للاتحاد الاوربى مع الاندفاع المفاجئ ان يجرى التحقيقات حول غسل الأموال ويحظر تأشيرة دخول الروس للدول الاوربية، وحرمانهم من ثرواتهم، ولكن موسكو شاهدت مرة بعد مرة الحكومات الأوروبية تحجم عن تمرير أي شيء مماثل لقانون "ماجنيتسكي" الامريكى الذى يمنع المسؤولين فى قائمة الإجرام من دخول الولاياتالمتحدة. كل هذا جعل بوتين واثق ، وعلى ثقة كبيرة من أن النخب الأوروبية هي أكثر قلقا بشأن كسب المال من الوقوف ضده . والأدلة على المواقف الاوربية كثيرة ..... فبعد أن وصلت قوة ضاربة روسية لضواحي تبليسي، عاصمة جورجيا، في عام 2008، كانت هناك تصريحات وتهديدات، ولكن دون اى صوت يدور حول المليارات الروسية ، التى كانت ايضا وراء اسكات الاوربيين عندما تم محاكمة المعارضة فى روسيا في محاكمات صورية.. باختصار ان الكرملين يعى انه يعرف السر القذر في أوروبا و يعى قدرات الاتحاد الاوربى و خطواته التى يمكن ان يتخذها ضد موسكو .