الخوف من تباطؤ الاقتصاد العالمى اثار الذعر فى الاسواق العالمية خاصة فى سوق وول ستريت بنيويورك ، لاسيما مع وجود مؤشرات واضحة على تباطؤ النمو في الصين، وضعف توقعات أرباح الشركات في الولاياتالمتحدة، وتشديد السياسات النقدية فى أمريكا وأوربا ، و هو الامر الذى تضافر لإحداث ارباك شديد فى أوساط المستثمرين و خسائر حادة. و يرى الخبراء ان مظاهر ضعف و تباطؤ اقتصاد الصين و الولاياتالمتحدة و الاتحاد الاوربى يمثل جانبا واحدا من الأزمة ،فهناك جانب اخر يتمثل فى المشاكل الخاصة بكل بلد في جميع أنحاء العالم بدءً من سوء الإدارة الاقتصادية في الأرجنتين انتهاءً بعدم الاستقرار السياسي في تركيا وأوكرانيا و دول الشرق الاوسط . وهذه المخاوف المتقاربة و المتلاحقة التى يشهدها اقتصاد العالم أدت لخسائر على مدار يومين في الأسواق العالمية هذا الأسبوع ، فقد تسببت فى انخفاض مؤشر داو جونز الصناعي 318.24 نقطة يوم الجمعة حيث حقق المؤشر أسوأ يوم له منذ ارتفاعه المميز فى يونيو الماضى و فقد المؤشر ما يقرب من 500 نقطة على امتداد يومين .. كذلك انخفض مؤشر ستاندرد اند بورز (500) نحو38.17 نقطة أو 2.09 في المئة ، وانخفض مؤشر ناسداك المركب 90.70 نقطة أو 2.15 في المئة. و يرى البعض ان المخاوف مغالى فيها بشدة معللين ذلك بانه على الرغم من البيع المكثف، فلا تزال الأسهم الأمريكية قرب أعلى مستوياتها على الاطلاق بعد صعودها 30 في المئة العام الماضي ، كذلك فان الاسهم الامريكية لم تشهد تصحيحا - بنسبة 10 في المئة أو أكثر مع مرور الوقت - منذ أكتوبر عام 2011 . وتتزامن الاضطرابات فى الاسواق مع تحول كبير فى مشهد الاقتصاد العالمي، حيث يبدو أن الصين والاقتصادات الناشئة الأخرى في العالم أصبحت تشهد مشاكل مثلما تشهدها الاقتصادات المتقدمة بالولاياتالمتحدة وأوروبا التى أظهرت علامات القوة المتجددة أخيرا بعد ما يقرب من خمس سنوات من انتهاء الكساد العظيم. هذا وقد بدأت المتاعب يوم الخميس بعد أن أظهر مسح يناير انخفاضا في النشاط الصناعي الصيني، و قبله بأيام، أعلنت الصين أن النمو الاقتصادي في العام الماضي " هو الابطأ وتيرة منذ عام 1999. ويقول إسوار براساد" أستاذ السياسة التجارية في جامعة كورنيل "إنه من المثير للاهتمام، كيف اثرت هزة خفيفة في نمو الصين على الاسواق و سببت هذا القلق في جميع أنحاء العالم " ففي آسيا يوم الجمعة، هبط مؤشر" نيكى 25 " الياباني بنسبة 1.9 في المئة ليغلق عند 15،391.56 نقطة وهبط مؤشرهونج كونج "هانغ سنج" 1.2 في المئة الى 22،450.06 نقطة. و يرى الكثير من الخبراء أن ما يحدث بالاسواق هو نتيجة " نهاية المال السهل" فمنذ الأزمة المالية العالمية التى ضربت الاقتصاديات في عام 2008، دأب مجلس الاحتياطي الاتحادي الامريكى على إغراق الأسواق بأموال نقدية ذات معدلات فائدة أقل لتشجيع الشركات الامريكية والمستهلكين على الاقتراض والإنفاق. ولكن في الشهر الماضي، و مع ما يؤشر على تنامي القوة الاقتصادية في الولاياتالمتحدة، خفض مجلس الاحتياطي الاتحادي حد مشترياته السندات الشهرية الى 75 مليار دولار بدلا من 85 مليار دولار. ويتوقع كثير من الاقتصاديين أن البنك المركزي الامريكى سيخفض مشترياته مرة أخرى - ربما الى 65 مليار دولار شهريا ، وقد ضرب هذا الاجراء بعض الأسواق الناشئة بقوة .. فعندما خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة الامريكية شهدت الأسواق الناشئة تدفقا هائلا لرأس المال من المستثمرين الذين يبحثون عن عائدات أعلى مما يمكن أن يحصلوا عليه في الولاياتالمتحدة.. لكن الآن عادت الاستثمارات لتتدفق على الارض الامريكية مرة اخرى و هو ما تسبب فى الاضرار بسوق العملات في الأسواق الناشئة. كذلك الاضطرابات السياسية في بعض البلدان، فاقمت من المخاوف بشأن الوضع السياسي أو المالي المحلي و أدت الى تقلبات السوق بشكل كبير و كان ذلك هو الأكثر وضوحا في الأرجنتين، حيث البيزو عانى هذا الأسبوع أكبر انخفاض له منذ الانهيار الاقتصادي في البلاد عام 2002. والحكومة التى تعانى نقص من احتياطيات العملة الاجنبية بدلا من استخدام ما لديها لشراء العملة المحلية والحفاظ عليها من السقوط ، محت بانخفاض البيزو و تدنى سعره أمام العملات الاخرى. و يبدو ان اقتصاد الارجنتين يعانى و الأسس الاقتصادية للبلاد قاتمة ويعتقد أن التضخم اصبح يوازى مابين 25 في المئة الى 30 في المئة مما أدى الى انخفاض البيزو بنسبة 16 في المئة في يومين، محققا بسهولة أسوأ أداء بين الأسواق الناشئة. وفى تركيا ، ضربت ايضا العملة الوطنية" الليرة" مستويات قياسية متعددة من الهبوط في الاسابيع الاخيرة مع قلق المستثمرين بشأن تداعيات فضيحة الفساد التي تهدد بزعزعة استقرار الحكومة.. و قد دفع هذا بسعر الليرة للانخفاض الى مستوى كبير وصل يوم الجمعة الى مستوى قياسى جديد عند 2.33 مقابل الدولار. و يتوقع خبراء الاقتصاد استمرار القلق و الخسائر نسبيا فى الاسواق العالمية شرقا و غربا ، و ما يزيد قتامة الصورة ، هو تدنى توقعات أرباح الشركات في الولاياتالمتحدة، واستمرار الاضطراب في عملات الأسواق الناشئة مع امكانية استمرار المشاكل السياسية فى بعض البلدان المؤثرة .. و كلها عوامل ستؤدى بشكل او اخر الى هروب الاستثمارات و ضعف الشراء و زيادة بيع الاسهم خشية تفاقم الاوضاع و خسائرة المزيد من الاموال فى الاسواق العالمية .