قبل ان يغادر الرئيس الأمريكي جورج بوش المنطقة مختتما جولته الشرق اوسطية ، حتى انبرت إسرائيل الى تصعيد الموقف مع الفلسطينيين نكاية فيه لمناشدته الزعماء العرب العون والمساعدة في حل أزمة الصراع العربي الإسرائيلي. بدا الرئيس جورج بوش مفرطاً في تفاؤله عندما قال: إن فترة ولايته الأخيرة الحالية لن تنقضي إلا وقد تم التوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. تفاؤل بلغ من شدة إفراطه أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز سأل الرئيس بوش عن مصدر تفاؤله هذا، لتجيء الأحداث الأخيرة في قطاع غزة لتزيد من تلعثم الرئيس بوش. ليس مصادفة أن ترتفع وتيرة التصعيد العسكري الإسرائيلي مع الفلسطيني أثناء جولة الرئيس الأمريكي في المنطقة. لا صواريخ القسام البدائية.. ولا الخطاب المتشدد لحركة حماس.. ولا حتى محاولة الابتزاز المكشوفة التي تحاول إسرائيل من خلالها الضغط -حتى الإذلال- للمفاوض الفلسطيني. الذي ليس عنده ما يخسره لإعطاء مرحلة ما بعد مؤتمر أنابوليس فرصتها ... ليس كل ذلك وراء هذا التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق ضد قطاع غزة. ما وراء هذا التصعيد الإسرائيلي الأرعن ضد شعب محاصر جائع كانت جولة الرئيس الأمريكي في المنطقة، التي بدأها بإسرائيل، وأراضي السلطة الفلسطينية. هذا التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة، وحتى في الضفة الغربية قبل زيارة الرئيس الأمريكي لها وبعدما غادرها واعداً بالدولة الفلسطينية المتصلة والقابلة للحياة، رسالة له تُذَكِره بأن مفاتيح حل الأزمة كلها بيد إسرائيل، ولا تسمح حتى لحليف الدولة العبرية الأول والأهم، أن يتدخل، بعيداً عن المشروع التوسعي العنصري الاستيطاني الإسرائيلي الرافض لقيام أي كيان فلسطيني، مهما كان شكله، ليتقاسم مع اليهود أرض الميعاد. كل ما أراده رئيس وزراء إسرائيل ايهود أولمرت من الرئيس الأمريكي، عندما زار القدس يتلخص في التأكيد على الهوية اليهودية لدولة إسرائيل.. وتأكيد التزام الولاياتالمتحدة بأمن وبقاء واستمرار إسرائيل ( ظالمة ومعتدية ).. بالإضافة إلى وصم الحق الطبيعي غير القابل للتصرف للفلسطينيين في مقاومة الاحتلال بالإرهاب. وبعد ذلك يأتي الكلام عن ما يسمى خارطة الطريق.. والدولة الفلسطينية.. والسلام بين الدول العربية وإسرائيل.. ومرحلة ما بعد مؤتمر أنابوليس.. وإزالة المستوطنات العشوائية غير القانونية.. وصعوبة حل مسألة القدس.. والكلام عن تعويض اللاجئين الفلسطينيين مقابل تخليهم عن حق العودة... جميع تلك العبارات وشبه الجُمَل، صيغت بلغة دبلوماسية مطاطة تحتمل أوجها، ولا تقطع برأي أو موقف... وهي بالتالي: جميعها من نوع "التوابل والمقبلات" لتسويق ما لا يمكن ترويجه، على الفلسطينيين والعرب والعالم، بالقبول بالواقع الذي فرضه الاحتلال، ولا عزاء للسلام. طبعاً الرسالة الإسرائيلية هذه وصلت إلى الرئيس الأمريكي وإن تظاهر بعدم فهمها... سلوك لم ينطل على الزعماء العرب الذين رأوا في تفاؤل الرئيس الأمريكي، أحد شيئين. إما سذاجة سياسية، قد يتصف بها، إلا أنها ليست بعاصية عن الفهم لدى مؤسسات السياسية الخارجية الأمريكية، خاصةً وأن السيدة كوندوليزا رايس كانت إلى جوار الرئيس بوش، أمام الكاميرات وفي الغرف المغلقة التي جمعته بالإسرائيليين. أو يعكس دعما أمريكياً مع إسرائيل وصل إلى ذروة مكاشفته وشفافيته بحيث لا يمكن بعد الآن الوثوق بالمتغير الأمريكي كحكم ووسيط نزيه للتفاوض، وإن كان هذا مطلباً عربياً، إلا أن الرئيس الأمريكي كان واضحاً أن دور واشنطن في كل ذلك مساعدة الأطراف على اقتراب بعضها من بعض، وليس الطلب منها، في أية مرحلة من مراحل التفاوض، أن تبدي رأيها أو تتخذ موقفاً، حتى ولو كان إلى جانب السلام..!؟ وبما ان هذا التصعيد الإسرائيلي الجديد ضد الفلسطينيين، لم تندد به واشنطن، على الأقل كما نددت بالانفجار الذي حصل في بيروت يوم أمس الأول.. وجاء في ذروة جولة الرئيس الأمريكي للمنطقة، في ختام زيارته للمملكة وبدء زيارته لمصر، فلا أقل أن تعتبر تل أبيب هذا السكوت الأمريكي بمثابة الرضا عن سلوكياتها الإجرامية الشاذة.. وعبثها اللا مسؤول بمصير السلام. ترى هل الرئيس الأمريكي لازال متمسكاً بتفاؤله.. ربما معايير قيمة التفاؤل عنده تختلف عن تلك المتعارف عليها .. ربما..!؟