بعد سنوات عديدة من النشوة الكبرى المدفوعة بارتفاع معدلات النمو غير المسبوقة في الصين، و اقترابها من صدرارة المشهد الاقتصادى العالمى باحتلالها المرتبة الثانية كابر اقتصاد بعد الولاياتالمتحدة بدات قصة صعود الصين الاقتصادية مؤخرا فى الاشهر القليلة الماضية تتخذ منحى خطيرا نحو الأسوأ يرى بعض المحللون ان طفرة الاقتصاد الصينى، على ما يبدو الآن، فى طريقها للانفجار ، و نموها الاقتصادى فى سبيله للتراجع الشديد، وهو ما يثير المخاوف القصوى لما سيجلبه هذا الانهيار الاقتصادى من تاثير سلبى كذلك على الاقتصاد العالمي الذي لم يتعافَ بعد من تداعيات أزمة الديون السيادية الأوربية. إن الأوضاع الاقتصادية لم تصل بعد إلى مستوى الكارثة في الصين، غير أن المشكلات ذات المدى الطويل أصبحت تتزايد بشكل متواصل يوما بعد يوم في هذه الدولة المعتمدة على نظام رأسمالي له طابعه الخاص. الطابع الخاص لنموذج الاقتصاد الصينى ولقد اعتمد النموذج الاقتصادي للصين بشكل كبير على الاستثمار والديون. لذا فإنه لا ينبغي أن تكون مفاجأة أنه بعد سنوات عديدة من النمو الهائل مدفوعا في البداية عن طريق الاستثمارات والإنفاق على البنية التحتية الصينية والقدرات التصنيعية الهائلة ، و هى عناصر اصبحت الان متباطئة . وايضا خلال الفترة نفسها، ارتفعت مستويات الديون مع تدفق الأموال المقترضة لبناء الطرق السريعة والمطارات، ومصانع الصلب، وأحواض بناء السفن والسكك الحديدية عالية السرعة، والطفرة العقارية بالبلاد . و يعد سوق البناء -على سبيل المثال- مثالا على طبيعة النموذج الاقتصادى الصيني، فقد أصبحت سوق البناء مريض يعاني من تشييد سلاسل لا حصر لها من بنايات عملاقة لا تجد من يسكنها على امتداد البلاد، وذكر أن أعدادا كبيرة من الطرق السريعة وخطوط القطارات الفائقة السرعة، التي لا توجد حاجة تذكر لها، قد تم شقها باستثمارات ضخمة من المحال استردادها، ولفت إلى أن أموالا هائلة أخرى جرى ضخها في صناعة السيارات والطاقة الشمسية في غياب أي دراسة جدوى تحدد حاجة الأسواق المحلية أو العالمية لها. وهناك مخاوف كبرى من قروض هائلة حصلت عليها شركات حكومية صينية، لاستثمارها في مشروعات بنية تحتية وتحولت إلى قروض معدومة غير قابلة للرد، وأوضح أن هذه الأموال التي يعرض فقدها الاقتصاد الصيني لكارثة محدقة هي من الضخامة بدرجة جعلت الاحتياطي الصيني الهائل من العملة الصعبة لا يعتبر الآن منطقة حماية من المخاطر. مايكل بيتيس استاذ الاقتصاد بجامعة بكين ، هو واحد من عدد قليل من الاقتصاديين الذين توقعوا فى عام 2006 أن الصين ستواجه مشكلة ديون خطيرة ، و بالفعل بحلول عام 2010، أصبح من الواضح ان هذا هو حال الواقع و المستقبل حتى بين معظم المتحمسين للتنين الصينى. و يرى الخبراء انه لحماية الصين نفسها من خطر أزمة الديون، يتعين عليها الان و قبل غدا وقف و تغيير خطط الانفاق ، فبكين عليها الآن إعادة التوازن إلى الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد المفرط على الاستثمار والديون، وزيادة دور الاستهلاك كمحرك للنمو. ولكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا اذا حدث انخفاض بمعدلات النمو. هل سينهار الاقتصاد الصينى؟ يقول مايكل بيتس ، انه ربما لا يحدث انهيار للاقتصاد الصينى ، و ان حدث ذلك ، فان الانهيار المالي يعد نوعا من التشغيل و التفعيل للاعمال البنكية و المالية ، طالما لا تزال مصداقية الحكومة الصينية عالية، فهذه المصداقية تضمن ان تقوم البنوك بالمحافظة على ضوابط رأس المال، لذا فمن غير المرجح أن تشهد الصين انهيارا ماليا ، انما ما هو أكثر احتمالا بكثير هو أنه في السنوات القادمة سيواصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الصينى في الانخفاض كما ستركز البلاد على تحفيز الاستهلاك. و من المتوقع ان لا تتجاوز معدلات النمو خلال إدارة الرئيس شي جين بينج مابين 3٪ إلى 4٪ في المتوسط إذا ما تم إعادة التوازن الاقتصادي ففى البلاد. و لكن قد لا تتعرض الصين للانهيار الاقتصادى لكنها ستشهد ازمة كبرى ، فاذا ما تباطأت معدلات النمو عن متوسط معدل نموها البالغ حوالي 10٪ سنويا منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. فأن هذا سيخلق معدلات مرتفعة من البطالة واضطرابات ضخمة للاقتصاد الصينى و هو مايثير مخاوف من سيناريوهات اقتصادية سيئة يكون لها اثار اجتماعية سوداء على المجتمع الصينى. ولكن الاقتصاد الصيني حتى الآن أظهر الكثير من المرونة على الرغم من العواصف مر بها مثل الأزمة المالية العالمية و خاصة ازمة الديون السيادية فى اوربا اكبر سوق للصادرات الصينية فى العالم . ومن المتوقع ان تواجه بكين تحديات ضخمة في المستقبل، فقد كان معدل النمو الكبير في الصين نعمة للشركات الكبيرة، وللدولة، والنخبة الثرية حتى أن متوسط دخل الأسر ارتفع والمستهلكين اصبح لديهم المزيد من المال للانفاق. وما يجب على الحكومة الصينية القيام به الان هو إعادة تقويم النمو وهذا لن يكون سهلا ، ولكن هناك علامات إيجابية ، فيبدو أن ان حكومة "شي " تعتزم إجراء التغييرات اللازمة، حتى و لو كات على حساب النمو و جعله ابطأ بكثير. الاقتصاد الصينى و تاثيره على العالم ماذا لو حدث انهيار اقتصادى بالصين ، يرى الخبراء ان أحد السيناريوهات المتوقعة هو أن يؤدي توقف نمو الصين اقتصاديا وتراجع صادراتها إلى انهيار كبير بأسعار المواد الخام في العالم، وحدوث انهيار مماثل في الدول التي تعتمد اقتصادياتها على تصدير البترول والمواد الخام. و لكن حتى الان يرى خبراء الاقتصاد انه بالنسبة لبقية العالم، ليس هناك سبب للقلق بشأن التباطؤ الاقتصادي في الصين. فخلافا للمعتقدات الشعبية، فان الصين ليست هي المحركالاساسى للنمو العالمي، بل هو مجرد أكبر عنصر حسابي للنمو العالمي ، و الذي يدفع النمو العالمي هو الطلب.. فالصين و مع تحقيقها فائض تجاري كبير، ليست المسئولة عن صافي الطلب العالمى . وما يهم العالم، بعبارة أخرى، ليس مدى سرعة نمو الصين بل كيفية تطور تجارتها مع الشركاء الأجانب. فإذا ما تم إعادة توازن الاقتصاد الصينى بطريقة منظمة، فان وارداتها من السلع المصنعة والخدمات سترتفع بشكل أسرع من صادراتها. وهذا وسوف يكون امرا جيدا بالنسبة للعالم. . وعندما ترتفع أجور العمال الصينيين سيكون لديهم المزيد من المال لشراء السلع والخدمات ، و بالتالى يعني ان غيرها من البلدان النامية سيكون لديها فرصة للمنافسة على الصادرات نظرا لانخفاض اجور اليد العاملة. بالطبع ليس هناك شك في أن بكين امامها طريق طويل من حيث إدارة اقتصادها الضخم، ولكن اعتبارا من الآن يجب الا يثير الدهشة أو يصبح من غير المتوقع ان تشهد الصين تباطؤ فى معدلات النمو. لان هذا التباطؤ من المرجح أن يعود بالنفع على الشعب الصيني والاقتصاد العالمي.