نقلا عن الشرق الأوسط 19/8/2007 سيقدم الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأميركية في العراق، في الشهر المقبل، مع السفير رايان كروكر، تقريرا إلى الكونغرس حول الوضع في بلدي. أنا أتوقع أن تكون شهادة هذين الشخصين المسؤولين متمتعة بالكفاءة والعمق، مثلما تتطلب السياسة. كذلك أتوقع ألا يعكس تقييمهم كل المأساة المتمثلة في أن العراق بعد أربع سنوات من التحرر من نظام صدام حسين أصبح دولة فاشلة، عاجزة عن توفير الأمن والخدمات الأولية لأبنائها وتساهم في خلق أزمة واسعة في الشرق الأوسط. لأكن واضحا. مسؤولية الفوضى القائمة حاليا تقع على عاتق الحكومة العراقية بالدرجة الأولى، لا الولاياتالمتحدة، فرئيس الوزراء نوري المالكي فشل في الاستفادة من رغبة الشعب العراقي في الوصول إلى حياة منتجة ومسالمة، مع كل الالتزامات والتضحيات الكبرى التي قدمتها الولاياتالمتحدة ودول أخرى. و«قمة الأزمة» في بغداد هي دليل إضافي على قرب انهيار الحكومة العراقية. فأفضل ما يمكن أن يترتب عن هذه القمة هو ربما تجديد المساعي والالتزامات للأطراف المشاركة فيها كي تعمل معا، وهذا قد يساعد على كسب اسابيع أو أشهر قليلة إضافية لنشاط سياسي تجميلي، لكن لن تتحقق أي مصالحة سياسية دائمة تحت نظام المالكي الطائفي. من كان يتصور أن العراق سيكون في أزمة عميقة كهذه بعد أربع سنوات على سقوط صدام حسين؟ في كل شهر يقتل ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف عراقي على يد الإرهابيين وفرق الموت الطائفية. ولا تتوفر الكهرباء والماء في أحسن الأحوال أكثر من ست ساعات في اليوم. وبغداد التي كانت ذات يوم دليلا على التنوع الثقافي والاثني والديني أصبحت الآن مقسمة إلى مناطق طائفية مسلحة، تشبه كثيرا بيروت خلال الثمانينات من القرن الماضي. يمكن القول إن إيقاف العنف وتحقيق الاستقرار والأمن والديمقراطية هي أمور يعتمد تنفيذها على العراقيين، أنا أعمل مع زملائي في البرلمان من أجل بناء ائتلاف أغلبية غير طائفي يدعم الخطة التالية، التي تتكون من ست نقاط، من اجل «عهد جديد» في العراق وتغيير الحكومة العراقية الحالية بوسائل ديمقراطية. يجب أن يكون العراق شريكا كاملا للولايات المتحدة في تطوير الخطة الأمنية التي ستؤول إلى سحب الجزء الأكبر من القوات الأميركية خلال السنتين المقبلتين، وقبل ذلك يبدأ تقليص الدور القتالي للوحدات الأميركية في العراق. الولاياتالمتحدة طرف لا يمكن الاستغناء عنه لتحقيق السلام والأمن في العراق وفي الشرق الأوسط بشكل عام. لكن دورنا حاليا هو الأكثر أهمية في حل مشاكلنا. وهذا لن يتحقق طالما بقيت الحكومة الحالية في السلطة. أنا اقترح إعلان حالة الطوارئ لبغداد وكل المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة. هناك حاجة لإعادة هيكلة قوات الأمن العراقية. وكلما كان ممكنا يجب على هذه القوات المعاد هيكلتها أن تمتص الأفراد المنتمين إلى الميليشيات الطائفية والاثنية وتحويلها إلى بنية أمنية غير طائفية. فتقوية عضلات الميليشيات ليس حلا مناسبا، لأنه يطيل أمد التوترات ما بين الكيانات الاجتماعية المختلفة ويزعزع قوة سلطة الدولة. فالدولة لا تمتلك أي شرعية إن هي فشلت في توفير الأمن لأبنائها. نحن بحاجة إلى استراتيجية دبلوماسية تستفيد بشكل متزايد من الأممالمتحدة والعالم العربي في تحقيق الأمن وإعادة الإعمار للعراقيين، على واشنطن ألا تتحمل لوحدها العبء الدبلوماسي، مثلما هو الحال الآن، فرئيس الوزراء المالكي بدد مصداقية العراق في السياسة العربية، وهو لن يتمكن من إعادتها، إضافة إلى ذلك، فإن العراق بحاجة إلى دور أكثر حزما كي يطلب من إيران إنهاء تدخلها في الشؤون العراقية وإقناع سوريا كي تلعب دورا أكثر إيجابية في العراق. يجب أن يكون العراق دولة واحدة مستقلة وفيدرالية. لذلك علينا أن نقوي المؤسسات المحلية والإقليمية على حساب السياسات الطائفية وعلى حساب حكومة شمولية ومستبدة في بغداد. يجب أن يكون الدين قوة توحيد لا تفريق في بلدي. وعلى العراقيين سنة وشيعة أن يفتخروا بهويتهم الإسلامية. لكن حينما تهيمن السياسة الطائفية الدينية يظهر الإرهابيون والمتطرفون باعتبارهم الطرف الرابح الوحيد. * تتطلب المصالحة الوطنية التزاما ملحا بالاعتدال وإنهاء العنف الطائفي عن طريق دمج كل العراقيين في العملية السياسية. علينا أن نعترف بمساهمة الأكراد ومساهمة الحكومة الإقليمية الكردية في مستقبل العراق الديمقراطي. فالمصالحة تتطلب اشتراكا فعالا للزعماء الدينيين والسياسيين البارزين من شيعة وسنة. قام المالكي بعرقلة المصادقة على تشريع تم اقتراحه في مارس الماضي لقلب مسار قانون «اجتثاث البعث». هذا المقترح كان يجب أن تتم المصادقة عليه فوريا. أصيب الاقتصاد العراقي بالعطب بسبب الفساد وغياب الأمن المناسب. يجب أن نشدد على إعادة بناء كل البنى التحتية الأساسية. إذ لن تكون هناك أي تنمية اقتصادية مناسبة من دون توفر كهرباء وماء صالح للشرب. ومع مرور الوقت يحتاج العراق إلى بناء اقتصاد يستند إلى مبدأ السوق الحرة مع دور أساسي للقطاع الخاص. طال انتظار تحقق تغيير على مستوى القمة في الحكومة العراقية، ومن دون ذلك، لن تنجح أي استراتيجية عسكرية أميركية أو أي انسحاب أميركي منظم، وسيترك العراق والمنطقة للغرق في اتون الفوضى.