في مصر الزمن الجميل كان من السهل أن تجد في بيوت الطبقة المتوسطة مكتبة صغيرة وقد تجد بيانو قديم وكان الأب يحرص علي القراءة رغم ان الأم كانت أمية لا تقرأ ولاتكتب وتعلم الأبناء حب القراءة في جو الأسرة التي عرفت قيمة الثقافة. في بيتنا الريفي البسيط في إحدي قري محافظة البحيرة كان يوجد دولاب عتيق يشبه المكتبة كتب عليه والدي الأزهري المستنير رحمة الله عليه جملة واحدة فيها كتب قيمة وفي هذا الدولاب قرأت المنتخب من الأدب العربي مختارات في الشعر والنثر والخطابة أختارها طه حسين واحمد أمين و أشعار المتنبي وابو تمام والبحتري ومجنون ليلي وحافظ وشوقي والف ليلة وليلة واحببت ابن زيدون وعشت في رحاب نهج البلاغة لسيدنا علي كرم الله وجهه. وعندما التحقت بجامعة القاهرة عرفت طريقي إلي سور الأزبكية وكنت أزوره كل اسبوع ومع نهاية العام الدراسي احمل معي رصيدا من الكتب يكفيني طوال الأجازة السنوية أدفع فيه ثلاثة جنيهات حيث كان سعر الكتاب من سلسلة أقرأ قرشان وأعلام العرب خمسة قروش وسلاسل المسرح والروايات العالمية خمسة قروش وكنت اشتري عشرين كتابا بأقل من جنيهين..كان سور الأزبكية بيتا من اهم بيوت الثقافة العربية. وحين تحول سور الأزبكية إلي محلات لبيع الأحذية وسندوتشات التيك اواي وشرائط الأغاني الهابطة أدركت ان العقل المصري دخل مرحلة الغيبوبة ويومها شاهدت دار الأوبرا القديمة وهي تحترق وخلفها ذكريات شعب متحضر عظيم.. تذكرت كل هذه الصور وانا أقرأ أخيرا خبرا عن إزالة أكشاك الكتب من شارع النبي دانيال في الأسكندرية. كنت احيانا أذهب إلي هذا الشارع واجد نسخا نادرة من كتب أبحث عنها وكنت اشعر بسعادة عميقة وانا اشاهد مئات الشباب يطوفون في الشارع العتيق واتذكر معهم اياما جميلة كنا نعيشها في رحاب سور الأزبكية بالقاهرة يوم ان كنت اقف حائرا امام ديوان لشاعر احبه ولا استطيع ان اشتريه وكنت اقف بالساعات أقرأ قصائد الديوان والتهم ابياته والبائع ينظر إلي من بعيد وهو يتمني لو اهداني الديوان.. ايام * نقلا عن صحيفة الاهرام