في نفس الوقت الذي أعلن فيه الاتحاد الإفريقي عجزه عن تكوين قوة عسكرية قوامها8 آلاف جندي لنشرها في الصومال, أعلن الاتحاد الإفريقي ايضا أنه اصبح لديه العدد الكافي من الجنود(26 ألف جندي) لتشكيل القوة المشتركة لنشرها في اقليم دارفور غرب السودان. وفي الوقت الذي أكدت فيه جين هول لوت مساعد الأمين العام لعمليات حفظ السلام الانتهاء من تدبير ملياري دولار للانفاق علي القوة العسكرية المشتركة من الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي في دارفور علي مدار السنوات الخمس المقبلة لا يزال عمر كوماري رئيس الاتحاد الإفريقي يشكو من نقص الموارد المالية لتدبير نفقات مجموعة صغيرة من العساكر وافقت رواندا التي مزقتها الحرب الأهلية علي ارسالهم إلي الصومال كقوات حفظ سلام!! حتي الجامعة العربية لم تسدد حتي الآن حصتها التي اعلنت الالتزام بها لمساعدة الصوماليين. بل إن علي محمد عيدي رئيس وزراء الصومال فشل أثناء زيارته الأخيرة لمبني الأممالمتحدة في جمع32 مليون جنيه مساعدات مالية من الدول الأعضاء وغادر نيويورك وهو يحمل معه اقل من ذلك المبلغ بكثير. ولم تسعفه سوي المملكة العربية السعودية التي مر عليها قبل العودة لبلاده! وبعد مقتل اثنين من الصحفيين في مقديشيو الاسبوع الماضي, أغلق مجلس الأمن باب مناقشاته حول مشروع قرار تقدمت به بريطانيا لتمديد مهمة مجموعة من العساكر تقدر بنحو1700 جندي من أوغندا وتتبع الاتحاد الإفريقي لمدة ستة أشهر أخري في الصومال, خاصة وأن مهمتها تنتهي رسميا يوم20 الشهر الحالي. سألت السير جونز باري مندوب بريطانيا الدائم لدي الأممالمتحدة في حفل توديعه بمناسبة انتهاء فترة عمله في نيويورك, عن اتفاق مجلس الأمن علي قرار ارسال القوات الأممية إلي دارفور وربما إلي مناطق أخري داخل السودان, بينما نفس المجلس يغمض عينيه ويتجاهل انتهاكات حقوق الانسان وجرائم الحرب التي ترتكبها القوات الإثيوبية والحكومية وجماعات المتمردين في الصومال؟ ابتسم السفير البريطاني وأعاد عبارات غريبة كان قد أدلي بها خلال زيارة علي محمد عيدي رئيس وزراء الصومال للأمم المتحدة منذ خمسة أسابيع. قال السير جونز باري إن ارسال قوات حفظ السلام الأممية إلي مناطق الصراع, يقتضي أولا ايجاد السلام أو خلق البيئة المناسبة له, بعدها يقرر اعضاء مجلس الأمن ضرورة المحافظة عليه ثم نقوم نحن بارسال قواتنا.. وسألني مستنكرا: هل يوجد سلام الآن في الصومال, أو هل الظروف هناك تسمح بارسال قوات لحفظ السلام؟ أجبته بأنه لم يكن يوجد أيضا سلام في دارفور بعد, ومع ذلك هرول أعضاء المجلس وراء قراركم المشترك مع واشنطن ووافق علي ارسال قواته إلي هناك, فلماذا لا يحدث ذلك مع الصومال؟! فرانسوا لونسني فول مبعوث الأمين العام الخاص في الصومال تحدث الأسبوع الماضي حول ما ستفعله الأممالمتحدة من أجل وضع حد لمأساة الصوماليين, وقال إن المنظمة الدولية تعتزم ارسال خبراء مستقلين لتقصي الحقائق هناك!! لكن ميشيل مونتاس المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون, نفت بعده بيومين أن يكون لديها معلومات تؤكد ما ذهب إليه, وقالت في المؤتمر الصحفي اليومي إنها سوف تستفسر عما إذا كانت الأممالمتحدة سترسل في المستقبل القريب فريقا مستقلا إلي الصومال أم لا. السفير ليو زيمين القائم بأعمال البعثة الصينية بالأممالمتحدة كان أكثر وضوحا من الجميع حيث قال إن المنظمة الدولية غير مستعدة في الوقت الحاضر لنشر قوات دولية في الصومال نظرا للصعوبات التي لا يزال يواجهها جنود أوغندا التابعون لقوة الاتحاد الإفريقي. لكن مصادر دبلوماسية بالأممالمتحدة قالت لي إن احجام الأممالمتحدة عن نشر قوات دولية الصومال يعود إلي الخسائر الجسيمة التي تكبدتها أول عملية لحفظ السلام هناك في النصف الأول من التسعينيات وأسفرت عن مقتل151 فردا من قواتها. إن الولاياتالمتحدة لا تشجع مطلقا في الوقت الحالي استصدار قرار من مجلس الأمن بارسال قوات دولية إلي الصومال وذلك لسببين الأول :ذكرياتها الأليمة في الصومال خاصة تلك التي شاهدها العالم عبر وسائل الإعلام عندما قام صوماليون غاضبون بجرجرة جثة أحد الجنود الأمريكيين في شوارع مقديشيو والتمثيل بها. والسبب الثاني وهو الأهم بالنسبة للولايات المتحدة يتمثل في حربها ضد ما تسميه الإرهاب. وهي تعتقد طبقا لمصادر استخباراتية أن العديد من انصار القاعدة يختبئون هناك. وهذا يفسر اطلاق يد القوات الاثيوبية ومعها قوات الحكومة الصومالية الانتقالية في تعقب الفارين من القاعدة حتي ولو كان علي حساب أرواح المدنيين الأبرياء من الصوماليين. وطبقا لتقرير أممي صدر منذ أيام قليلة, فإن القوات العسكرية الإثيوبية تقوم باستخدام الفوسفور الأبيض, وهو المحرم دوليا, ضد المدنيين العزل في مقديشيو وبقية انحاء الصومال. وفي اليومين الماضيين أيضا, كشف تقرير اصدرته منظمة هيومان رايتس ووتش أن القوات الاثيوبية والصومالية وقوات المحاكم الإسلامية مسئولين جميعا عن الانتهاكات واسعة النطاق لقوانين الحرب في مقديشيو. وقال كين روث المدير التنفيذي لهيومان ووتش إن جميع أطراف القتال أظهروا استخفافا بأحوال السكان المدنيين في العاصمة الصومالية بلغ حد الإجرام, وأن لا مبالاة مجلس الأمن أدت إلي زيادة حجم المأساة. ونوه تقرير سابق لهيومان رايتس إلي أن التدخل الإثيوبي في الصومال يرتبط ارتباطا وثيقا بقضايا أمنية إقليمية مثيرة للقلق ومنها الحرب الأمريكية علي الإرهاب والحرب بالوكالة مع إريتريا ووجود حركتي تمرد إثيوبيتين في الصومال.