لا تزال سوريا تلتزم الصمت بشأن حقيقة انتهاك الطائرات الصهيونية لمجالها الجوي، بينما سرب مسؤولون أمريكيون أخباراً تفيد بغارة استهدفت قافلة سيارات تحمل أسلحة ومعدات، ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية عن خبير في شؤون الشرق الأوسط قوله إن الغارة “الإسرائيلية” لها علاقة بشحنة معدات نووية وصلت إلى ميناء طرطوس السوري في أوائل هذه الشهر على متن باخرة كورية شمالية. الكيان الصهيوني لا يزال يتكتم رسمياً على الغارة، إلا أن بنيامين نتنياهو زعيم تكتل ليكود الصهيوني المعارض قال إن المقاتلات “الإسرائيلية” شنت غارات جوية على سوريا، وذكر في مقابلة مع القناة الأولى للتلفزيون “الإسرائيلي” إنه قدم الدعم لرئيس الوزراء إيهود أولمرت في شن هذه الضربات. وأضاف “لقد كنت شريكاً في تلك القضية منذ بدايتها وقدمت دعمي لرئيس الحكومة، لأنه قام بعمل مهم من أجل أمن “إسرائيل””. وفي المقابل استنكر مكتب رئيس الوزراء “الإسرائيلي” إيهود أولمرت تصريحات نتنياهو وقال إنها تتسم بعدم المسؤولية فيما يتعلق بالقضايا الوطنية. تذكرنا الغارة “الإسرائيلية” على سوريا بالهجوم الجوي الذي تعرض له المفاعل النووي العراقي قبل قرابة 26 عاما، واستطاعت القاذفات “الإسرائيلية” تدميره بالكامل، كضربة استباقية منعت العراق من امتلاك أسلحة نووية. ووجه الشبه بين الغارتين أن لا سوريا ولا العراق قامتا برد مباشر وفوري على تلك الضربات، علماً بأن سوريا قدمت شكوى لمجلس الأمن، دون أن توضح ماهية الغارة وهدف الانتهاك “الإسرائيلي” للأجواء السورية، وهو أبسط إجراء يمكن القيام به، وفوق ذلك، فهو معروف النتائج، لأن مجلس الأمن لن يحرك ساكناً، ولن يفتح تحقيقاً، وستدخل الشكوى السورية أدراج مكاتب مجلس الأمن، إلا أن سوريا أوضحت بأنها تحتفظ بحق الرد في المكان والوقت المناسبين، وهو موقف اعتدنا أن نسمعه من السياسيين العرب، دون الانتقاص من جدية الكلام. الزوبعة مستمرة بشأن امتلاك الدول في الشرق الأوسط للأسلحة النووية، والوتيرة تتصاعد في ما يتعلق بسعي إيران امتلاك الطاقة النووية، التي تقول عنها إنها للاستخدام السلمي. كل ذلك يمكن فهمه في هذا السياق، إلا أننا لا يمكن أن نفهم سكوت وكالة الطاقة الذرية وسكوت الدول العظمى عن مفاعل ديمونة النووي “الإسرائيلي”، والقوة النووية “الإسرائيلية” التي تمتلكها منذ سنوات طويلة، وتمنع أي مخلوق من الاقتراب من مفاعلاتها. إلا أن الدول العربية والإسلامية تعتقد أنها حققت انتصاراً حين نجحت في استصدار قرار من وكالة الطاقة الدولية يدعو لحظر الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط، فيما اعتبر انتقاداً لقدرات “إسرائيل” النووية غير المعلنة. وانتقد مؤتمر الوكالة، التي تضم 144 عضواً من دول العالم، في جنيف الكيان الصهيوني لرفضه وضع برنامجه النووي تحت المتابعة الدولية، علماً بأن الكيان الصهيوني لم ينف أو يؤكد امتلاكه لترسانة نووية، رغم قيام مردخاي فعنونو، الفني النووي “الإسرائيلي” بالكشف عن مفاعل ديمونة النووي “الإسرائيلي” في العام ،1986 كما يقال إن الكيان الصهيوني كان على وشك استخدام الأسلحة النووية في حرب أكتوبر 1973 لأن القوات المصرية استطاعت عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف المنيع والمحصن. الكيان الصهيوني الآن يتحرك لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، ويقول المتابعون بأن الاختراق الجوي “الإسرائيلي” للأجواء السورية كان يهدف إلى اختبار القدرات الصاروخية السورية والتدرب على قصف المفاعلات النووية الإيرانية، وتتوالى هذه التحليلات وسط ضباب كثيف لا يكشف عن حقيقة واحدة، إلا أن الحقيقة المرجحة هي أن هذا الصيف لن يمر بسلام في الشرق الأوسط، خاصة في ما يتعلق بالصراع العربي “الإسرائيلي”، فحين تتحدث أمريكا عن سوريا فهي تعني إيران، وحين تتحدث عن إيران فهي تعني سوريا، ويتوقع أن تكون الضربة لكلا البلدين إذا ما هبت إحداهما لمساعدة الأخرى، ولا أحد يستبعد أن تستخدم أمريكا أو الكيان الصهيوني أسلحة غير تقليدية في شن الحرب على إيران، كما لا يستبعد أحد أن تقوم إيران بالرد بأسلحة غير تقليدية، خاصة أنها هددت بأن تحول الخليج إلى جحيم، وسيكون ردها عنيفاً جداً. لقد علمتنا السياسة كما علمنا العسكريون، أنه حين يكون الحديث سياسياً تكون أصابع الجنود على الزناد، وحين يتحدث العسكريون عن الحرب والمعارك تكون هناك مفاوضات تحت الطاولة، كما علمتنا الأحداث أن كل الحروب انتهت باتفاقيات سلمية أو استسلامية لا فرق، ونتعلم الآن عن طريق التأمل ودراسة الحقائق، بأن تهدئة الغليان في العلاقة بين سوريا والكيان الصهيوني، أو بين الولاياتالمتحدةوإيران لن يتم إلا بحرب أو افتعال حرب، وللأسف، يموت الجنود على جبهات القتال ويجلس القادة حول طاولة المفاوضات. وعود على بدء، فإن العربدة الصهيونية في الأجواء العربية، تستند إلى قوة الردع لديها، والمتمثلة في الترسانة النووية، التي لا شك حول وجودها، إضافة إلى أنها تستند إلى أقوى قوة عسكرية في العالم، وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي كثفت من تواجد أساطيلها في الخليج العربي. وتتصرف الدولة الصهيونية تصرف الدول العظمى في وقاحتها وجرأتها، وترفض أن تمتلك أي دولة في المنطقة، وتحديداً، أي دولة عربية أو إسلامية، السلاح النووي، أو أسلحة الدمار الشامل، لتحافظ على تفوقها الذي تضمنه أمريكا، وتصرح بذلك في كل محفل وكلما اقتضت الضرورة. إن نجاح المجموعة العربية والإسلامية في استصدار قرار في اجتماع وكالة الطاقة الدولية لا يعني شيئاً، فقد صوتت أمريكا ضده، شأنها شأن الكيان، لأن وكالة الطاقة الذرية، إن لم تكن مدعومة من الولاياتالمتحدة، فإن قراراتها ستبقى حبراً على ورق. يجب تفعيل هذا التوجه، أي التركيز على القدرة النووية “الإسرائيلية”، والقيام بحملة عربية إسلامية عالمية للضغط على المجتمع الدولي من أجل شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك الكيان الصهيوني وإجباره على فتح منشآته النووية أمام وكالة الطاقة الذرية. ويبدو أن أمريكا استشعرت بعض هذا التوجه، فشنت هجوماً قوياً قادته كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، على محمد البرادعي مدير وكالة الطاقة الذرية، وأنذرته ألا يتدخل في السياسة. فهل القوة النووية الصهيونية مجرد سياسة؟ وهل افتعال حرب مع إيران قد تقود المنطقة إلى الجحيم مجرد سياسة؟ إنه ليس مجرد سؤال.