تفتيت العالم العربي كان جزءا من مشروع تغيير المنطقة من الداخل، والتي كانت حرب العراق بوابة الدخول إليها، حسب الشرح الذي قدمه تشارلز كراوتهامر، أحد أبرز منظري جماعة المحافظين الجدد، وهو الذي حدد ملامح الاستراتيجية الأمريكيةالجديدة في المنطقة، بتفسيره لسياسة انتقال خط المواجهة من على حدود العدو السوفييتي القديم، إلى العالم العربي. المحلل العسكري الإسرائيلي المعروف بدقة معلوماته زئيف تشيف، كان قد كتب في صحيفة هاآرتس عام 1982 يقول: إن تفكيك العراق إلى دولة سنية وأخرى شيعية، وفصل الجزء الكردي، هو أفضل ما يمكن تحقيقه لمصلحة إسرائيل في العراق. وبعد هذا النشر بخمسة وعشرين عاما، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي في الأسبوع الأخير من سبتمبر ،2007 على قرار غير ملزم بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات على أساس طائفي سنة وشيعة، وأكراد. ورغم عدم إلزامية القرار فإنه يعد تمهيدا لما سيتم حدوثه في فترة ما بعد بوش، بعد أن أصبح واضحا أن بوش سيترك الحل النهائي لمشكلة أمريكا في العراق، وانسحاب قواتها، للرئيس القادم من بعده بينما كل المرشحين الديمقراطيين للرئاسة رفضوا التعهد بسياسة مختلفة في العراق بعد بوش، ويأتي هذا القرار رغم اعترافات أمريكية صريحة، بأن خطط التقسيم والتفتيت الطائفي التي بدأت من أيام الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر، كانت أهم أسباب اشتعال الفوضى الأمنية والعنف، الذي انفلت زمامه في العراق. إن تقسيم العراق وتفتيته سواء حسب ما أوضح زئيف تشيف بأنه هدف إسرائيلي قديم ومستمر، أو ما صرح كتاب وساسة أمريكيون من أن حرب العراق كانت في الأصل تنفيذا لخطة إسرائيلية، مثلما قال بالتحديد السياسي الجمهوري باتريك بيوكانين الذي كان مرشحا سابقا للرئاسة، بأن الحرب في العراق نفذت تحقيقا لمصالح إسرائيل. ولقد أثبتت وثائق منشورة أن تقسيم العراق، جزء من خطة أشمل لتفتيت العالم العربي كاملة؟ وهذا هو ما أكدته الوثيقة التي حملت عنوان استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات والتي تكشف عن أن تفتيت الدول العربية إلى دول أصغر مما هي عليه، كان فكرة رئيسية لدى قادة إسرائيل تتكرر دوريا. هذه الاستراتيجية جاءت في مقال نشر في المجلة الصهيونية Kivonim ، وهي المجلة الناطقة باسم إدارة الإعلام بالمنظمة الصهيونية العالمية. وكاتبه أوديد يينون، وهو صحفي إسرائيلي، كان قبل كتابته يعمل بوزارة الخارجية الإسرائيلية. وقد تولت نشر هذه الوثيقة في بلمونت بولاية ماساشو سيتس عام ،1982 جمعية خريجي الجامعات من العرب الأمريكيين. باعتبار هذه الوثيقة تكشف عن استراتيجية صهيونية للشرق الأوسط هي الأكثر صراحة وتفصيلا، وبعدت عن الغموض عن أي خطط إسرائيلية أخرى. والخطة تقوم على مفهومين أساسيين: 1 - أن تصبح إسرائيل قوة إمبريالية مهيمنة. 2- تقسيم المنطقة بأكملها إلى دول صغيرة، بتفكيك جميع الدول العربية الموجودة حاليا. وأن هذا التفتيت هو الذي سيجعل الدول العربية مهيأة للخضوع للهيمنة الإسرائيلية. وتضيف الوثيقة أن استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات، تتحدث عن الفرص بعيدة المدى التي تتاح لأول مرة منذ حرب ،1967 والتي أوجدها الموقف العاصف جدا من حول إسرائيل. لقد تداخلت الخطط الصهيونية ذات الاستمرارية. مع الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة منذ غزو العراق، ومنذ انتقال السياسة الخارجية الأمريكية من مرحلة التحيز لإسرائيل إلى مرحلة التطابق في الأفكار الخاصة بالمنطقة كلها، وفي أفكار حل المشكلة الفلسطينية، والنزاع العربي الإسرائيلي بشكل عام، وظهور التوجهات الأمريكية الخاصة بإعادة صياغة أوضاع المنطقة، وتغييرها من الداخل، بدءا من خطة الضربة العسكرية في العراق، والتي سميت الصدمة والترويع. وكان الرئيس بوش قبل بدء الحرب بنحو عشرة أيام قد أعلن في كلمة ألقاها أمام معهد أمريكان انتربرايز (وهو قلعة المحافظين الجدد) أن العراق سيكون بعد الحرب، النموذج الملهم لكل دول المنطقة. وقد رأينا أولى خطوات صناعة هذا النموذج الملهم عقب الغزو مباشرة، بقرارات التقسيم الطائفي للدولة ونظام الحكم فيها، ثم ها نحن بعد 4 سنوات نرى قرار مجلس الشيوخ الذي أيده ديمقراطيون وجمهوريون، بالرغم من اعتراض غالبية القوى السياسية العراقية، لأنه يفرض إرادة أجنبية على دولة ما زالت قواها السياسية تسعى لتحقيق التوافق حول مشروع للمصالحة الوطنية ووحدة الدولة. وتفتيت الدول العربية سبق أن جاء في كتابات مايكل ليدن صاحب مشروع الفوضى الخلاقة، وليدن هو كبير الخبراء بمعهد أميركان انتربرايز، وهو الذي ترجع إليه حكومة بوش في تقديم أفكار عن العراق والشرق الأوسط، وهو الذي كلف في عام 2002 بوضع خطة لتغيير الشرق الأوسط من الداخل على مدى عشر سنوات. وتفتيت العالم العربي كان جزءا من مشروع تغيير المنطقة من الداخل، والتي كانت حرب العراق بوابة الدخول إليها، حسب الشرح الذي قدمه تشارلز كراوتهامر، أحد أبرز منظري جماعة المحافظين الجدد، وهو الذي حدد ملامح الاستراتيجية الأمريكيةالجديدة في المنطقة، بتفسيره لسياسة انتقال خط المواجهة من على حدود العدو السوفييتي القديم، إلى العالم العربي. ومن الواضح أن خطط التفتيت إسرائيليا وأمريكيا، قد تلاقت عند نقطة واحدة، منذ وصول المحافظين الجدد إلى الحكم في واشنطن عام ،2001 وفوز الليكود في انتخابات عام ،2000 وبدأ التنسيق والتعاون، لأن الاثنين كان يجمعهما تحالف منظم، وبرامج سياسية مشتركة، تضمنت تصفية القضية الفلسطينية، والانقلاب على مرجعيات عملية السلام في مدريد ،1991 واتفاقيتي أوسلو 1993 و،1995 وتنفيذ المشروع القديم لغزو العراق الذي أفصح عنه زئيف تشيف عام ،1982 وقام بصياغته عام 1992 بول وولفويتز أحد أبرز صقور المحافظين الجدد، والذي كان من أهم واضعي خطة الضربة العسكرية للعراق عام ،2003 والتي كشفت الوثائق أن أهدافها لا تتوقف عند حدود العراق، بل تتجاوزها إلى العالم العربي كله. وان تصويت الكونجرس بالموافقة بأغلبية 75 صوتا ضد ،23 على تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، لم يكن خطوة منفصلة قائمة بذاتها، لكنها جزء من سياق متصل، له ملامح وخطى ظاهرة، وما زالت تتواصل في العراق وفلسطين ولبنان، وغيرها في أرجاء العالم العربي، طبقا لما تؤكده سياساتهم وتصريحاتهم ووثائقهم.