عندما نسترجع مقولة نيكولاس بيرنز وكيل وزارة الخارجية الامريكية, وذلك عندما كان قبل ثلاث سنوات سفيرا لبلاده في مقر حلف الاطلنطي في بروكسل, ان الشرق الاوسط سيكون محل اهتمام السياسات العالمية لعشرات السنين القادمة, فإن هذا السؤال يكون منطقيا وهو: هل نحن الآن هدف للصراع العالمي؟ ولماذا تحولت المنطقة العربية الي منطقة صناعة الازمات, بما فيها من نزاعات, لاتوجد مثلها في اي منطقة اخري في العالم؟ تشهد علي ذلك تلك الحروب والنزاعات والازمات في العراق, وفلسطين, والسودان, والصومال, ولبنان, وكلها دول اعضاء بالجامعة العربية. مع الاخذ في الاعتبار ان الامن القومي لأي دولة بالمنطقة, ونحن منها, لاينفصل عن مجمل الأمن الاقليمي, فهو متصل به, يتأثر به سلبا أو ايجابا. وهو في مجمله درع امنية لأي دولة من الدول الاقليمية في اي ظروف. والمثل علي ذلك ما حدث حين كان هناك احتمال تدخل عسكري امريكي ضد كوريا الشمالية منذ سنوات قليلة, فكانت منظومة الامن الاقليمي المتماسكة حائلا دون ذلك, حتي من جانب دول حليفة للولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية, بالاضافة الي الصين, التي رفضت كلها مثل هذا الاجراء, من منطلق منع اي تصرف يزعزع الآمن الاقليمي للمنطقة, بالرغم من كون الصين ليست جزءا من التجمع الاقليمي المتحالف مع امريكا, لكن الامر يتعلق باستقرار المنطقة ككل, من وجهة نظر منظومة امنهم الاقليمي, يلحق بذلك ان حماية الأمن القومي وبالتالي الامن الاقليمي تدار وفق استراتيجية استباق الازمات وليس مجرد انتظار وقوعها. فما بالنا والازمات المستقبلية قد كشفت عن وجهها مبكرا حتي من قبل غزو العراق في19 مارس2003 وذلك عن طريق ما تسرب من معلومات من عسكريين امريكيين معارضين للغزو, او عن طريق آراء وكتابات لاقطاب حركة المحافظون الجدد من ساسة وخبراء وكتاب, وايضا مما كشفت عنه الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الامريكي لحكومة بوش وكلها تحدثت عن: الضربة العسكرية الاستباقية, والعدو المحتمل, وتغييرالعالم العربي من الداخل, وإعادة رسم خريطة الاوضاع الاقليمية للشرق الوسط, واعتبار العراق بعد الضربة العسكرية مجرد خطوة اولي لما بعدها ليكون العراق حسب قول بوش نموذجا ملهما يتكرر في المنطقة او ما ذكره الجنرال ويسلي كلارك الذي كان مرشحا للرئاسة في انتخابات عام2005, من أن زملاءه في البنتاجون أبلغوه قبيل غزو العراق بأشهر قليلة, أنهم ماضون في خطة مدتها خمس سنوات لتوجيه ضربات استباقية لسبع دول بالمنطقة تبدأ بالعراق, فضلا عما قرره تشارلز كراوتهامر أحد أبرز المعبرين عن فكر وبرامج المحافظون الجدد, عن نقل خط المواجهة مع العدو السوفيتي القديم, إلي العالم العربي. كذلك خطط العمل السري داخل دول المنطقة, حسب قول دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق من أننا قد نقوم بعمليات تنفذها وحدات خاصة, داخل دول المنطقة دون علم حكومات هذه الدول. وفي الاطار العام لهذه الاستراتيجية تردد علي سمعنا مرارا مشروع الفوضي الخلاقة لهدم استقرار المنطقة واعادة رسم أوضاعها حسبما يرون ويريدون, ولم يكن هذا المصطلح مجرد قول مطلق بغير أساس, لكنه من صياغة مايكل لادين كبير خبراء السياسيين بمعهد اجر كان انتربرايز وهو مركز نشاط المحافظون الجدد. واذا كنا قد لاحظنا انتقال حركة عمل السياسات العالمية بالفعل الي هذه المنطقة, وجري تكثيف سياسي واعلامي, لصور المنطقة بأنها منبع القلاقل والمشاكل للأمن العالمي. فإننا نلاحظ أيضا ان ذلك لم يكن مجرد رد فعل لخطر يتهددهم مصدره المنطقة, بل هو غطاء لصناعة الأزمات المتلاحقة, وعمليات التفتيت الاقليمي, والتحريض الطائفي, والتي يظهر أنها تجسد عمليا مقولة ويسلي كلارك عن خطة الخمس سنوات التي تستهدف سبع دول بالمنطقة, وكتابات تشارلز كراوتهامر عند نقل خط المواجهة مع العدو السابق, الي العدو البديل في العالم العربي, وكل ذلك ظهر في الأزمات التي تلاحقت أزماتها في لبنان, والسودان, والصومال, وفلسطين, بالاضافة الي الكارثة في العراق, وما قد يستجد. والربط القائم بين نظريات وبرامج اسرائيل التقليدية عن زعزعة استقرار العالم العربي, وتفتيته من الداخل, مع ماهو معروف ومعلن عن الارتباط التنظيمي بين المحافظين الجدد, وبين اليمين الاسرائيلي وكما يبدو فإن حركة هذه الاستراتيجية, تدور في محيط أوسع للأمن الاقليمي, باعتبار ان هناك ترابطا بين أجزائه. ثم يأتي ملحا سؤال آخر:اذا كان هذا كله واقعا نعيشه, يلاحقنا ويلحق بنا, فهل نبقي كما نحن نتلقي صدمات السياسات التي تستهدف منطقتنا, ليس لليوم فقط, بل لعشرات السنين القادمة, أم علينا دور ومسئولية, لدرء أية أخطار تتهددنا, ولا طريق لذلك سوي أمن إقليمي متكامل, يسد فراغ الأمن القومي العربي الذي صار حالة مزمنة؟