من يراقب المرشحين المحتملين لمنصب رئيس مصر؟ كأنه لم يكن يكفينا كل هذا الجدل الدائر حول تحديد معايير تشكيل الهيئة التأسيسية التي تتولي وضع مشروع دستور مصر الجديد وهو الدستور الذي سوف يحدد من بين ما يحدد سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية القادم لحكم مصر تطوعت قوي الإسلام السياسي لإثارة أزمة جديدة وهي تتعلق برغبتها في إجراء انتخابات الرياسة قبل وضع الدستور تجاوزا لأزمة من يضع الدستور وفي وسط هذا الارتباك المتعمد ازدحمت الساحة السياسية بالعديد من الأسماء والشخصيات التي أعلن كل منها عن رغبته في شغل هذا المنصب وأصبح لدينا في مصر وأظن أنه في مصر وحدها لقب المرشح المحتمل لرياسة الجمهورية!! يجري ذلك استمرارا للخلل في ترتيب الأولويات وهو الخلل الذي بدأ بالاختراع المصري بإجراء الانتخابات البرلمانية قبل الدستور وهو اختراع لم يعرفه العالم من قبل فالقاعدة أن الدستور هو الذي ينتج ويقدم البرلمان ولكن في مصر من يتوهم أن التجربة نجحت في تحقيق العكس وهو نجاح يشبه من يظن أن صلاته صحيحة رغم أنها تمت بدون وضوء مادام سيتوضأ بعد الصلاة!! علي أية حال فإن الساحة السياسية في مصر تستقبل كل يوم اسما جديدا كمرشح محتمل, ويري كل منهم في نفسه صلاحية تولي منصب رئيس مصر دون أن تحدد مصر نفسها ما هي المواصفات التي تريدها في هذا الرئيس القادم لحكمها؟! وإذا كانت مصر لا تريد حاكما أو رئيسا يتوهم في نفسه صفات الزعامة أو يحلم بنشوة السلطة والسلطان فإنها أيضا لا تريد بالقطع أن يقفز إلي المنصب مغامر أو طامع أو طامح إلي كرسي الحكم دون أن يقدم سجلا واضحا لتاريخه وقدراته وسابق خبراته وبرنامجه, وما يستند إليه لتنفيذ هذا البرنامج, وقبل كل ذلك مصدر تمويل حملته الانتخابية, وعلاقاته الحقيقية بالنظام السابق, وذلك في ظل ما يجري علي الساحة من مزايدات بلا حدود من بعض المرشحين' المحتملين' الذين كانوا من أعمدة النظام المخلوع وتحولوا بعد الثورة ليؤكدوا أنهم كانوا دائما ضد المخلوع وضد التوريث بل إن المخلوع, كان يخشي من شعبية كل منهم! وعلي أية حال فإنه إذا كان إجراء انتخابات الرياسة قبل وضع الدستور يشبه الصلاة بدون وضوء ثم الوضوء بعد ذلك عندما تسمح الظروف فإن انتخابات الرياسة تبقي قضية مهمة يجب التعامل معها علي ضوء خريطة القوي السياسية في مصر ودورها الإيجابي أو السلبي في هذه الانتخابات فنحن أمام ثلاث قوي وإن اختلفت في التأثير وهي الإخوان..الثوار.. الجيش.. وموقف كل قوة من هذه القوي من الانتخابات الرياسية متباين عن موقف القوتين الأخريين حيث يقف الإخوان المسلمون يعلنون أكثر من مرة وبأكثر من وسيلة أنهم لن يتقدموا بمرشح من الإخوان لمنصب رئيس الجمهورية وأن هذا التزام لا يقبل المراجعة ولم يترددوا في إبعاد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وهو الإخواني العتيد عن جنة الجماعة لأنه تجاسر وتجرأ وأعلن عن نفسه مرشحا محتملا للرياسة, بل وفيما يشبه العقاب أعلن المرشد العام للإخوان المسلمين في حوار تليفزيوني أنه المرشد العام لن يمنح صوته في الانتخابات الرياسية للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح كاشفا عن مفهوم الديمقراطية عند الجماعة التي لا تتردد لحظة في أن تضحي بعضو قديم ومؤثر مهما كان ارتباطه بالجماعة إذا ما تخطي قوانين الجماعة, وتصور أنه يملك حرية اتخاذ القرار حتي لو كان هذا القرار يتعلق بشخصه وسوف يكون الوضع مذهلا ومدهشا لو أصبح الدكتور أبو الفتوح رئيسا فعليا وليس محتملا بعد كل ذلك لأن موقف الجماعة منه لم يتوقف عند عدم مساندته بل تجاوزه إلي الوقوف ضده وعلانية.. ولا يعني ذلك أن الجماعة ستقف بعيدا عن انتخابات الرياسة.. بل هي كالعادة تنتظر التوقيت المناسب والشخص الأوفر حظا والذي سوف تسانده قبل لحظات من ضمان نجاحه, وإذا كانت جماعة الإخوان المسلمين تمتلك الآن القوة المؤثرة التي تقف علي اليمين في الساحة السياسية المصرية بأغلبية حققتها في البرلمان, فإن قوة الشارع ممثلة في ائتلافات الثورة رغم تعددها وبصرف النظر عن قوتها الآن تقف علي اليسار وهي تملك القدرة في كل وقت علي المطالبة بتحقيق ما لم يتحقق حتي الآن من أهداف الثورة التي قدم الشباب أرواحهم ودماءهم من أجلها دون أن يحققوا نتائج ملموسة وفي المنتصف بين قوة الإخوان المسلمين وقوة الثورة تقف القوات المسلحة قوة مؤثرة لا يجوز إغفال تأثيرها المباشر أو غير المباشر في الانتخابات الرياسية القادمة حتي ولو لم يكن لها مرشح مفضل كما تقول.. الإخوان والثورة والجيش..هذه هي القوي الثلات التي سوف يجد كل مرشح محتمل للرياسة نفسه أمام حتمية التعامل معها في مرحلة الانتخابات, وسوف يجد من تحقق له الفوز بعدها ملزما بالتعامل معها بعد وقبل أن يقف أمام البرلمان ليقسم اليمين الدستورية رئيسا لجمهورية مصر العربية.. وفي المرحلة الحالية وهي مرحلة المرشح المحتمل حتي وإن كنا في انتظار الدستور الذي يجب أن يكون أولا هذه المرة فإن ما يجري علي الساحة السياسية فيه الكثير مما هو جديد علي مصر.. فنحن أمام مرشحين معظمهم لا ينتمون إلي أحزاب سياسية لها برامج معروفة بحيث يكون للرئيس المحتمل خلفية سياسية واضحة وحتي من كانت له مثل هذه الخلفية فإنه قد تخلي عنها أو أنها تخلت عنه!! ففي حين تخلت جماعة الإخوان عن الدكتور أبو الفتوح فإن من المرشحين أصحاب الخلفية العسكرية من أعلن تخليه عن خلفيته العسكرية, وبالتالي أصبح ما نراه من حملات انتخابية رياسية هو مجرد تحركات واجتهادات وتصريحات وجولات تبدأ بزيارات إلي أضرحة أولياء الله الصالحين مرورا بالمقابر والعشوائيات, وحتي أندية الروتاري والليونز, وكل مرشح محتمل يجتهد بقدر طاقته في مغازلة كل التيارات, وعلي أن يقدم نفسه في صورة الثوري المناضل عدو الفساد وحبيب الشعب ونصير الفقراء والغلابة والقادر علي إصلاح كل الأوضاع في شهور دون أن يسأله أحد كيف يحقق ذلك وما هي الأرض التي يقف عليها, وبالتالي يصبح كل ما يطرحه مجرد أحلام وأمنيات سوف يجد إذا فاز أن تحقيقها مرهون بموقف ومساندة ودعم القوي الثلاث.. الجيش.. الإخوان.. الثورة أو أحدها علي الأقل. وتتبقي أخيرا نقطة مهمة رغم حساسيتها وهي مصادر تمويل كل مرشح محتمل لحملته الانتخابية ومدي شفافية هذا التمويل وباختصار من يمول من؟ وسط تلميحات عديدة واتهامات متبادلة بوجود مصادر مجهولة للتمويل, ولأن مصر تمر بتجربة جديدة لم تعهدها من قبل فإن الأمر يحتاج بالضرورة إلي ضمانات حقيقية تعرف مصادر تمويل السيد المرشح المحتمل لرياسة جمهورية مصر العربية وأوجه إنفاقها بشكل دقيق, وسيكون من المؤسف حقا أن نتعامل مع هذه القضية بأثر رجعي كما جري في قضية الجمعيات والمنظمات الأهلية والمدنية التي وجدت نفسها فجأة وبعد سنوات عديدة متهمة بتلقي تمويل من خارج مصر..ولا أظن أن ما جري مع الجمعيات والمنظمات المدنية مقبول, وهو بالقطع لن يكون مقبولا في مسألة انتخابات الرياسة. ولذلك علينا من الآن تقنين ضوابط قضية التمويل مصدرا وإنفاقا دونما حساسية, خاصة مع وجود العديد من الدول التي تسعي لتمويل بعض هؤلاء المرشحين المحتملين بصورة مباشرة, أو غير مباشرة وإلي جانب هذه الدول فإن هناك الكثيرين من أصحاب المصالح ومن الذين يرتبطون بالنظام السابق ويتوقعون أن تفتح ملفاتهم الفاسدة قريبا وهم علي استعداد لإنفاق الملايين لتمويل المرشح'المحتمل' حتي يصل إلي كرسي الحكم, ويوفر لهم غطاء الحماية من الحساب لتعود مصر من جديد لمرحلة الزواج الفاسد بين السلطة والثروة.. بعد كل ذلك يبقي أن انتخابات الرياسة القادمة ترتبط ارتباطا وثيقا بموقف القوي السياسية الثلاث المؤثرة الجيش..الإخوان..الثورة من المرشح المحتمل الذي لن يكفيه للنجاح جولات قد تصلح لمرشح لعضوية مجلس الشعب وهدفها إقناع الناخب بأن السيد المحتمل هو حبيب الشعب ونصير الفقراء والغلابة وقبل ذلك كله يجب أن نتأكد ونحن نتأهب للصلاة أننا قد توضأنا قبلها!! نقلا عن صحيفة الاهرام