»الأصولية« تعني الايمان المطلق بمجموعة من المبادئ الثابتة والعودة الي الماضي الديني، لأنه الزمن الأمثل للعيش، ولكن اصحاب هذه الدعوة يتخذون من الماضي ذريعة ليفرضوا سيطرتهم اليوم باعتبار انهم الوحيدون القادرون علي استخلاص الأحكام الدينية لهذا الزمن الحديث. و»الأصولية« تتوسل هذا الماضي لصناعة المستقبل بأدوات الماضي. وقد تتخذ »الأصولية« شكل السلفية البروتستانتية الامريكية أو السلفية اليهودية أو السلفية الاسلامية. وعلي سبيل المثال، فان الصهيونية مذهب ديني سلفي يدعو للعودة الي »أرض اسرائيل« بعد ألفي عام من الاندثار، ويدعو الي الإحياء العبراني وبعث تراث اليهودية أو ما يسمي بتراث »الشعب المختار« وتنفيذ ما يسمي ب»الوعد الالهي« بمنح »أرض اسرائيل«.. »لشعبها المختار«.. والسلفيون اليهود، مثلهم مثل السلفيين في جميع الأديان، يدعون الي طريق الايمان والدين وطريق التوبة والصلاح باعتباره الوسيلة الوحيدة للخلاص، كما يطالبون بتطبيق الشريعة اليهودية بحذافيرها، ويروجون للانعزالية التي هي احدي السمات البارزة للأصولية أينما كانت »والمقصود بها الهجرة من المجتمع«. ويري السلفيون اليهود ان الثقافة المستوردة من الغرب تهدد جوهر اليهودية، كما كانت الثقافة الهيلينية - الاغريقية في الماضي تهديدا للعبرية، وكذلك اليسار، بكل أطيافه، ابتداء من حزب العمل الاسرائيلي الي حركة السلام الآن.. الي منظمات الحقوق المدنية.. فهذه كلها تؤخر الخلاص النهائي لليهود. وتري حركة غوش ايمونيم - »كتلة الايمان« - ان »شعب اسرائيل« و»أرض اسرائيل«.. والتوراة يشكلون ثالوثا لا ينفصم.. ومن ثم فان تهويد »يهودا والسامرة« - الضفة الغربية - ثم الضفة الشرقية لنهر الاردن، بعد ذلك، ليست مسألة تتعلق بأمن اسرائيل أو هدفا استراتيجيا، بل هي »مهمة موكولة اليهم من عند الله«.. ومن أجل تنفيذها يمكن استخدام جميع الوسائل العنيفة والارهابية! ولما كان هؤلاء يملكون الحقيقة المطلقة، فان لهم »الحق« في فرض عقيدتهم بالقوة، اذا لزم الأمر، علي هؤلاء الذين »لا يبصرون«! كل شيء في اسرائيل يخضع لإرادة الحاخامات و»علماء التوراة« وجميع المتطرفين الدينيين. وقد تحولت قضية »حدود اسرائيل« و»أرض اسرائيل« الي قضية دينية توراتية. ويخضع الساسة »المدنيون« الاسرائيليون لتصورات وشعوذات المتطرفين الدينيين في هذا الشأن. وهؤلاء المتطرفون يريدون العودة الي حياة العبرانيين القدامي، كما وصفتها وشرعتها التوراة. والتائبون »هم اولئك الذين يعودون الي الله وطريق الايمان« في عرف المتطرفين. والتوبة - هنا - تعني العودة الي اليهودية »خالصة ونقية« علي حد تعبيرهم، وكما حطم موسي العجل الذهبي ليعود العبرانيون الي عبادة الله، كذلك ينبغي - في نظر التائبين - تحطيم الأصنام الجديدة.. للوصول الي الله أو »يهوه« وتطبيق »شريعة الله« حتي تصبح لها السيادة. هكذا يقوم المتطرفون بمنع الناس - في الأحياء التي يشكلون فيها أغلبية - من مشاهدة التليفزيون، لأنه »يشيع الانحلال والتحلل في المجتمع وينشر الرذيلة«، كما انه » رمز كل الشرور في الثقافة الحديثة..، ويصطدم بقيم التراث اليهودي!« وقد صدرت فتوي من كبار ربابنة التواة تدين هذه الوسيلة الاعلامية وتصمها بالكفر. ويريد »الحريديم« - اليهود المتشددون - تخصيص رصيف في الشارع للنساء.. والآخر للرجال وانشاء إشارة ضوئية خاصة في الشوارع الرئيسية لمنع اختلاط النساء بالرجال اثناء عبور الشارع في ساعات الزحام!! بل انهم يطالبون بالفصل الكامل بين النساء والرجال في كل مكان سواء في السوق أو المكاتب في العمل وفي المدارس.. وغيرها. وقد أصدر الحاخام الذي يترأس محكمة القدس الحاخامية حكمه بتطليق زوجة من زوجها، لأنها كانت اثناء عملها في الجيش تجتمع برئيسها في حجرة مغلقة، ولم يشفع للزوجة انها كانت تفحص مع رئيسها ملفات سرية! كذلك فإنه محظور علي الرجل ان يلعب مع امرأة في مباراة لعبة »التنس«، مثلا، حتي اذا لم يكن هناك احتمال لاحتكاك جسماني، لأن المرأة -في هذه الحالة- قد تكون مصدر إثارة وخطيئة! وحتي اذا لعبت النساء مع بعضهن.. فلا يجوز ان يكون ذلك أمام الرجال! ولا يجوز ان يجلس رجل بجوار امرأة في سيارة للنقل للعام أو سيارة أجرة.. فالاختلاط ممنوع قطعيا! ولا يكفي ان تغطي المرأة شعرها وذراعيها حتي المعصمين.. بل محظور عليها أي اتصال أو تعامل مع رجل غير زوجها! المشكلات ستجد حلها في حالة واحدة فقط في نظر الأصولي اليهودي المتطرف، وهي ان يعود المجتمع الي الينابيع والأصول. وكان الحاخام مائير كاهانا يطالب بدولة يهودية »حقا« وليس بالاسم، بمعني ان تقوم علي أساس الناموس اليهودي. أما الديمقراطية وحقوق الأقلية.. فهي قيم غربية، وغريبة تماما عن روح اليهودية. ويري كاهانا ان الدولة التي تحكم بشريعة التوراة سوف تخصص شواطئ أو »بلاچات« للرجال فقط.. منفصلة عن تلك التي ترتادها النساء، وكذلك شواطئ لليهود.. وأخري لغير اليهود»!« وتحويل المدارس العامة كلها الي مدارس دينية، واعتبار الزواج المختلط.. جريمة. ولا مكان لحرية التعبير في الدولة الدينية التي يريدها المتطرفون، بل رقابة علي كل ما يخالف » الشرع«. وهكذا جرت محاولة نسف أحد اكشاك بيع الصحف، لأنه يبيع صحفا »علمانية«.. قذلك -في رأي المتطرفين- جزء من حملة »تطهير الأرض من كل معصية«! والسلطة العليا يجب ان يكون مرجعها.. مجلس الحاخامات الذي يملك تفسير الشرع.. وتزداد المؤشرات خلال لأعوام الأخيرة - علي تغلغل مفهوم جديد فحواه ان الافكار السياسية التي تتجاوز »الاجماع القومي« تشكل خطرا، وان من يجرؤ علي توجيه النقد الي السلطة يجب النظر اليه علي انه يمثل تهديدا للدولة، وهي مؤشرات تتغذي من عملية تحول اسرائيل، من عام الي آخر، الي مجتمع »اكثر تدينا وأقل ديمقراطية« علي حد تعبير الباحث والكاتب الاسرائيلي »انطوان شلحت«. ومع صعود موجة التطرف الديني، لم يعد هناك انفصال بين الدولة والمعبد اليهودي في اسرائيل، ويتم تسليم السلطة المدنية للسلطة الدينية. ولا يحكم حزب الليكود اليميني في اسرائيل الآن.. إلا نتيجة ائتلافه وتحالفه مع أقصي اليمين الديني المتطرف، وفي مقابل تنازلات خطيرة للسلطات الدينية والاستجابة لمطالبهم. هكذا طالب وزير العدل الاسرائيلي يعقوب نئمان »باعادة المجد الي الماضي«، وبفرض قوانين الشريعة اليهودية في اسرائيل. وقال الحاخام عوفاديا يوسف، الزعيم الروحي لحزب »شاس« الاسرائيلي، ان كل من يرفع قضية أمام الأجهزة القضائية ويترك القضاء اليهودي »إنما يتحدي توراة موسي ويتحول الي مجرم ومحظور ضمه الي عداد المصلين«!.. والترجمة العملية لكل هذا التطرف الديني -عند التعامل مع الفلسطينيين- تبدو مروعة ومخيفة. فالحاخامات يطالبون بعدم تأجير شقق سكنية لمواطنين عرب، باعتبار ان ذلك محظور في التوراة، ويقولون في نفس الوقت أن التوراة تمنع من المشاركة في طرد أي يهودي من الضفة الغربية أو تفكيك المستوطنات، ويقولون انه يصح قصف منازل الفلسطينيين من الجو وهدمها فوق رءوس ساكنيها»!« وانه محظور علي الجنود الاسرائيليين إظهار الرأفة بالعدو الفلسطيني، وانه يجوز قتل غير اليهود.. حتي الاطفال.. حتي الأطفال.. وان الوصايا العشر -كما يزعمون- لم تحرم قتل العربي، لأنه ليس ناك عربي بريء»!! « كما ان اسرائيل ليس فيها مكان لغير اليهود، وان طرد العرب يعني تنفيذ أوامر الله. كلمة السر في اسرائيل: »الدين هو السياسة«! نقلا عن صحيفة الاخبار