أكثر من 82 ألف عسكري من جنسيات مختلفة «القبعات الزرق« التي يُكنون بها ويفاخرون بلبسها، ليس للإشارة إلى تقاليد محلية قديمة كاعتمار الطربوش الأحمر، بل للدلالة على انتمائهم إلى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والمنتشرة في بقاع الارض المختلفة تارة بمفردها، وتارة ثانية بمشاركة قوات اقليمية أخرى كالاتحاد الافريقي أو قوات حلف شمال الأطلسي، متعهدة حلّ النزاعات الدولية وتأمين الاستقرار والسلم من خلال الفصل بين المتحاربين. إضاءات على مهام قوات حفظ السلام وكيفية تشكيلها وإرسالها إلى مكان الحدث، تقدمها «أورينت برس« في تحقيقها التالي: توجه اليوم انتقادات لاذعة إلى قوات حفظ السلام الدولية التي تم تقليدها في عام 1988 جائزة نوبل للسلام مكافأة لها على جهودها في كبح صراعات مختلفة حول العالم، إذ يقول البعض ان القوات «الزرقاء« تحوّلت من منارة للأمل إلى عنصر شبه مشلول وغير فاعل يخضع لإملاءات أحادية المصدر، وان التوقعات المرصودة لها لا تتناسب والانجازات المتواضعة التي حققتها. ولكن بعيداً عن هذه المآخذ، وعن تقنية السجال الشهيرة قالوا ونقول، لا بد من التذكير بأن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة قد أخذت على عاتقها أكثر من 15 مهمة يشارك فيها جنود وضباط من 87 دولة، ولكن المفارقة الكبرى هي ان الدول النامية ذات الصراعات والأزمات الخانقة هي المساهم الأكبر في توفير عناصر لمهمات «القبعات الزرق« الصعبة. مهام متعددة تعود المهمة الأولى لجنود حفظ السلام إلى عام 1948 - تاريخ قيام الدولة العبرية - حين انتشروا في فلسطين لأداء مهمة حفظ السلام فشلوا إلى اليوم في تحقيقه، وحيث لاتزال قوة صخشسد التابعة للأمم المتحدة قابعة في القدس لتكون، مجرد شاهد، على الممارسات الإسرائيلية العدوانية بحق الشعب الفلسطيني يوماً تلو الآخر. المهمة الثانية تمثلت في انتشار القبعات الزرق في مصر في نوفمبر 1956، وتحديداً عند قناة السويس، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن الشرق الأوسط كان أول موطئ لهذه القوات الدولية. ولكن، مع نهاية الحرب الباردة في التسعينيات، بدأت مهام «القبعات الزرق« تأخذ منحى تصاعدياً بحيث انتشرت في نقاط مختلفة منها هايتي وليبيريا واثيوبيا ومرتفعات الجولان السورية ولبنان وقبرص والكونغو وساحل العاج وسيراليون وبوروندي، كما أنها شاركت مع قوات أخرى في مهام حفظ السلام كما في كوسوفو وأفغانستان مع الناتو (حلف شمال الأطلسي)، وفي تيمور الشرقية بمشاركة قوة استرالية، وفي جورجيا بمشاركة الروس. مَن يتخذ القرار؟ تنتشر قوات حفظ السلام بناء على طلب تتقدم به دولة من بين الدول ذات العضوية في الأممالمتحدة، أو منظمة اقليمية، أو أمانة السر التابعة للأمم المتحدة. بداية، يتم وضع مسودة أولى للقرار ليتم عرضها والتصويت عليها في مجلس الأمن، وينص القرار الأول على أن المجلس يوافق على المهمة من حيث المبدأ ويطلب إلى الأمين العام للمنظمة الدولية تقديم خطة مفصلة مع موازنة لها. وإذا مرّ التصويت في مجلس الأمن من غير أن ترفض المشروع أي من الدول الخمس الدائمة العضوية (الولاياتالمتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا) يوافق الأمين العام على المهمة ويردّ القرار إلى مجلس الأمن مع التوصيات التي يراها مناسبة، ليتم بعد ذلك إجراء تصويت ثان للموافقة على كامل أجزاء الخطة وإعلان المهمة للأطراف المعنية. وبما أن الأممالمتحدة لا تملك قوات مسلحة خاصة بها، فإنها تحشد لتنفيذ المهمة جنوداً من دول عدة، لتعكس «القبعات الزرق« تنوّع الدول والحضارات والثقافات التي تمثل مختلف دول العالم. ميزانية خاصة بكل مهمة تقوم الأممالمتحدة برصد ميزانية خاصة لكل مهمة وتتعهد بتحويل المبالغ المرصودة لها منها للدول المساهمة في قوات حفظ السلام التي تقوم بدورها بتوزيع الرواتب على الجنود والضباط والخبراء العسكريين التابعين لها والمشتركين في قوة حفظ السلام المعنية. ولتمويل الأممالمتحدة، تجمع الأموال من دول عدة بحيث ان الدول الداعمة ترتيباً (حسب احصاء يناير 2006) هي: الولاياتالمتحدة، اليابان، المانيا، بريطانيا، فرنسا، ايطاليا، كندا، الصين، هولندا. علماً بأنّ كل دولة تقدم سيراً ذاتية لجنودها وضباطها المشاركين في عداد قوات حفظ السلام وتكفلهم شخصياً في حال إذا ما قصّر أحدهم في أداء مهامه، حتى ان بعض هؤلاء قد تمت احالتهم إلى المحاكمة داخل بلدانهم بعدما تبين وجود خلل في سلوكهم. ومن هذه الحالات، ما حدث في كوسوفو عام 2005 عندما تمت محاكمة ضابط من قوات حفظ السلام بتهمة التحرّش الجنسي وتزوير ملفات وتم سجنه مدة 3 سنوات. وفي منتصف نوفمبر 2006، أطلقت الأممالمتحدة وحدات خاصة لنشر التوعية والنظام بين عناصر قوات حفظ السلام. هل تدوم إلى الأبد؟ لا تدوم مهام قوات حفظ السلام إلى الأبد، ولكنها في بعض الأحيان تستمر عقوداً طويلة، إلا أنه في حال إذا ما تمت المهمة بنجاح وحققت أغراضها، عندئذ تنتهي المهمة كما حدث في موزمبيق وكامبوديا. وفي بعض الأحيان تتوقف المهمة فترة ومن ثم تعود إلى عهدها السابق بعد حصول خلل أمني، وأبرز مثال على ذلك ما جرى في هايتي، حيث توقفت المهمة عام 2000 لتعود مرة جديدة عام .2004