بقلم: جمال الشرقاوي اخذ القمح من الارض القديمة اقصي ما يمكن اخذه 3 ملايين فدان. ولم يعد امامنا فيها إلا التوسع الرأسي.. زيادة الانتاجية للفدان، وهو ما ركزنا عليه في الحلقة السابقة. الآن ونحن نواجه ازمة حادة من الضروري التوسع في الأرض الجديدة، ليأخذ القمح مادة غداء الشعب الاساسية موقعه المناسب فيها. لقد استصلحت الدولة منذ عام 1952 حتي الآن حوالي 2 مليون فدان في صحراء مصر اضيفت إلي 5 ملايين فدان في الوادي تشكل حوالي 29 % من جملة الاراضي الزراعية. فماذا قدمت هذه الاراضي للقمح؟.. لا شيء يذكر. وليس القمح وحده الذي لم يستفد من اراضينا الجديدة وانما كل الانتاج الضروري للغذاء ولذلك تحتاج وظيفة هذه الأراضي إلي مراجعة.. وكأمر عاجل: وحتي نذكر المسئولين ويتابع الرأي العام جدوي عشرات المليارات من الجنيهات التي انفقتها الدولة من اموال الشعب علي استصلاح هذه الاراضي وما استثمره آلاف المواطنين لاستزراعها.. سأورد بايجاز شديد بعض الارقام ا لتي توضح ضآلة مساهمة الارض الجديدة في توفير الغذاء للشعب.. من دراسة قيمة للدكتور محمد عبدالنبي عثمان، منشورة في المجلة المصرية للاقتصاد الزراعي سبتمبر 2000: - نصيب الأرض الجديدة التي تشكل 29 % من جملة الاراضي الزراعية، من القيمة الكلية للانتاج الزراعي لا يتجاوز 13.9 % ومن صافي الدخل الزراعي 15.4 % ومن جملة الانتاج النباتي 17.9 % - وضمن الانتاج النباتي، فإنها تسهم بنصيب متناسب مع حجمها في الفاكهة: 33.3 % يقل في الخضر إلي 21.3 % ينخفض جدا في النباتات الطبية والعطرية إلي 2.8 % اما المحاصيل الحقلية، ومنها القمح، فلا يتجاوز 6.8 % ! - وفي الانتاج الحيواني لا يختلف الحال فإسهامها فيه 4.8 % وفي الألبان 3.4 % والدواجن 3.5 % . والبيض 3.1 % حتي العسل والشمع لا يتجاوز نصيبها فيه 1.3 % . ذلك كله مأخوذ عن البيانات الحكومية الرسمية.. ولا اعتقد انه اختلف في السنوات السبع الاخيرة. طبعا لهذه المساهمة ا لمنخفضة جدا اسباب عديدة، تناولناها وغيرنا كثيرا من قبل. ولا بأس من الاشارة إلي اكثرها جوهرية الآن، فقضية الارض الجديدة تحتاج لمعالجة اكبر ليس هذا مجالها، فالسياسات التي اتبعت حتي الآن في التصرف في الاراضي المستصلحة، انصبت علي هدف واحد، هو استرداد تكاليف الاستصلاح، بفوائدها. ولم تنشغل بالدور الذي يفترض ان تؤديه هذه الاضافات إلي المساحة المزروعة، وهو توفير الغذاء للشباب، وسد الفجوة الهائلة فيه، والتي تجعلنا نستورد 5 ملايين طن ذرة و6 ملايين طن قمح.. وحتي الفول والعدس.. والترمس .. كما جاء بتحقيق الزميل احمد عباس في الأخبار.. علي لسان المسئولين. وهكذا لم توجه الدولة اهتمام ملاك هذه الاراضي إلي هذه المواد. لان نظام التصرف اهتم فقط باسترداد التكاليف، وترك للملاك حرية زراعة ما يشاءون طبعا باسم حرية المالك في ملكه. وكم ادت هذه الحرية إلي خسائر وافلاسات للكثيرين من هؤلاء الملاك! اقول ذلك لاوضح خلفية ما نعانيه الآن من غياب للقمح عن الارض الجديدة. اختراقات توقفت.. ومشروعات متوقفة! رغم ذلك، مع انطلاقة الحملة القومية للنهوض بمحصول القمح. وبتشجيع العالم الجليل الدكتور محمود شريف محافظ الشرقية عندئذ بدأت تجربة زراعة القمح في ارض صحراوية في مشروع الخطارة. نفذها احد تلاميذ الدكتور عبدالسلام جمعة، هو المرحوم الدكتور عبدالرحمن هاشم. بدأها عام 87 في مساحة صغيرة، زادت في العام التالي. لم يكن احد ، حتي من الزراعيين يتوقع نجاح ذلك.. إلي درجة ان الدكتور يوسف والي والدكتور محمود شريف كانا يتسللان بدون مواكب ولا اعلام ليشاهدا هل نجحت التجربة ام لا.. وعندما حضرنا حصاد 1200 فدان عام 89 كان انتاج الفدان 18 أردبا وترسخ نجاح القمح في الارض الصحراوية. لكن.. اين هو مشروع الخطارة الآن..؟ نفس الشيء حدث في مشروع الصالحية.. ترددوا كثيرا في البداية لم يوافقوا إلا علي التجربة في فدان واحد عام 89 زادت إلي 3600 فدان، وبانتاجية 18 اردبا ايضا.. وعندما كان متوسط انتاجية الارض القديمة 13 أو 14 إردبا! لكن مشروع الصالحية جري عليه ما جري. وهناك اتجاه الآن لبيعه، ويا عالم!.. وان كانت ادارته اعلنت مؤخرا عرضا بزراعة 6200 فدان قمح هذا الموسم، بامكانيات هائلة وري متطور 'محوري' ونرجو ألا يتوقف ذلك .. بالبيع. هذه الاختراقات التي حققها القمح ببركاته، وبجهد علماء وزراعي مصر، دخلت إلي الاراضي الصحراوية الخاصة ايضا في التحرير والنوبارية وبنجر السكر والبستان.. وفي مناطق في الصعيد. لكنها تعثرت بسبب مشاكل نقص المياه عموما، وفي فترة السدة الشتوية خصوصا. برغم ان وزراء الري المتعاقبين كانوا يعدون بالغاء السدة الشتوية بالنسبة للاراضي الجديدة. كثر من ذلك.. نفذت مشروعات استصلاح عملاقة كان احد الاهداف المرجوة منها زيادة قدرات الوطن علي توفير الغذاء لابنائه. مثل ترعة السلام 220 ألف فدان غرب القناة، و400 الف فدان في سيناء ومشروع جنوبالوادي توشكي 420 الف فدان. لكن المشروعين متوقفان، متعثران متأخران في التنفيذ. ولم يحصل منها القمح ولا غيره علي شيء. اكثر واكثر من ذلك: مشروع صمم ونفذ خصيصا للقمح. هو مشروع الري التكميلي لاراضي الساحل الشمالي. المشروع جاء بناء علي اقتراح الدكتور عبدالسلام جمعة والاستفادة من مناخ هذه المناطق، وزيادة قدراتها الانتاجية، باضافة رية أو ريتين تكميليتين علي كمية المطر هناك. بعد دراسة وزارة الري، تم التنفيذ، بمد ترعة الحمام التي كان طولها 50 كم، لري 72 ألف فدان ريا كاملا ودائما، بامتداد آخر طوله 57كم، من العلمين حتي الضبعة، بتصاريف مياه قدرها 1 مليون و630 ألف متر مكعب لتحسين الري في 148 ألف فدان. وقد تم فعلا انشاء وتبطين الترعة 57 كم والاعمال الصناعية اللازمة، 4 قناطر حجز و6 كباري و3 سحارات و7 مآخذ للفرعيات. بتكلفة حوالي 58 مليون جنيه، بمنحة من الشيخ زايد رئيس دولة الامارات، ورغم ان ذلك تم منذ 8 سنوات، فإن، الفرعيات لم تنشأ. ولم تزرع الاراضي المربوطة عليها. ولم يكسب القمح شيئا من مشروع انشيء من اجله! وهكذا ضاعت منا الارض الجديدة علي جميع المستويات. والآن تتجه وزارة الزراعة لقصر توزيع الاراضي المستصلحة علي الشركات المساهمة. وطبعا لهذه الشركات ان تزرع كما تشاء. مما سيؤدي لنفس النتيجة التي نعاني منها الآن.. اللهم إلا اذا اشترطت الدولة في عقود البيع، ان تلتزم كل شركة بزراعة نسبة معينة من اراضيها بمحاصيل الغذاء الاساسية في كل موسم زراعي..؟ والدولة وضعت خطة لاستصلاح 3.4 مليون فدان حتي عام 2017 تم انجاز 980 ألف فدان منها حتي الآن، حسب البيانات الرسمية. وبقيت عشر سنوات يفترض أن يستصلح فيها 2 مليون و420 ألف فدان. فهل تفكر الدولة، لمواجهة ازمة غذاء ستتفاقم عاما بعد آخر، مع الزيادة السكانية، ان تحتجز مساحات ضخمة، كل منها مائة الف فدان مثلا، تزرع بالاساليب العلمية والاقتصادية، وتدار ادارة حديثة.. تخصص لمحاصيل الغذاء الضرورية؟.. الامر يحتاج إلي دراسة.. تشمل كل ما يتصل بجدوي الاستصلاح، وما يضيفه من اراض جديدة. لكن ذلك حسب اساليبنا في العمل، التي لا تقدر قيمة الزمن سيستغرق وقتا كبيرا.. برنامج عاجل .. ممكن ولأننا لسنا في ترف تضييع الوقت.. إليكم اقتراحا ببرنامج عاجل لزراعة القمح في الاراضي الجديدة، بوضعها الحالي. هذا البرنامج مبني علي تجربة نفذها مركز بحوث الصحراء موسمي 2004/2005 و2005/2006 مولهما المركز بقرار من رئيسه الدكتور اسماعيل عبدالجليل. ولم يستطع الاستمرار لضيق ذات اليد. التجربة قامت علي تخطيط علمي، ومشاركة نشطة وودية بين المركز ومديريات الزراعة في المحافظات، والمزارعين.. خطط لها واشرف علي تطبيقها العالم الصحراوي صاحب العديد من التجارب الرائدة خاصة في زراعة القمح: الدكتور محمد اسامة سالم، تكونت لجنة علمية من المركز 63 باحثا كل فريق يضم تخصصات: اراضي، ري، محاصيل وبالذات قمح، مقاومة آفات وحشائش. تتصل الفرق العلمية بمديريات الزراعة، لتحديد المزارعين الذين يمكن التنفيذ في ارضهم. تجري مقابلة مع المزارعين، يعرض عليهم البرنامج اذا وافقوا توقع عقود بين الطرفين .. يتعهد المزارع بتنفيذ التوصيات الزراعية.. وفي المقابل يتعهد الفريق بتحليل التربة، وتحديد صنف القمح المناسب للمكان، وتقديم التقاوي والاسمدة، ويتابع حتي الحصاد. هذه المستلزمات يقدمها الفريق كسلفة عينية يستردها عند الحصاد، في صورة عدد من ارادب القمح.. دائما كانت من الزيادة التي حققها المزارع عن المعتاد أو الجوار. في موسم 2004/2005 تمت التجربة في 18 حقلا، 400 فدان، زادت قليلا في السنة التالية. الانتاجية تراوحت بين 12 و14 و16 و18 أردبا. وصلت في بعض الحقول إلي 20 و22 اردبا وهذا توقف علي امكانيات الزراع، ويسوي بالليزر أم بغيره.. يستخدم السطارة في البذار ام لا. يحصد بالكمباين أو بأساليب اخري.. وهذا نقص ايضا في امكانيات اجهزة الزراعة، ولو حشدت هذه الامكانيات ووظفت توظيفا ديناميكيا لتحققت نتائج افضل. هذه الحقول موجودة في مناطق الاستصلاح الواردة في خطة الدولة، والتي تم تنفيذ 980 ألف فدان منها.. والتي لم يزرع معظمها حتي الآن لاسباب مختلفة. ويمكن زراعتها فورا. وسيرحب الملاك خاصة الذين ليست لديهم الامكانيات المالية.. خاصة ان البرنامج لا يكلفهم شيئا. فتكلفة الانتاج للفدان.. كانت 480 جنيها في الموسم الاول فجرها لهم مركز بحوث الصحراء وسددوها من الانتاج، وكسبوا كثيرا دون ان يدفعوا الكثير. الخبراء يؤكدون انه يمكن زراعة نصف المساحة المستصلحة بالقمح هذا الموسم فاذا ما نجحت التجربة بدلناها بالنص الثاني.. اي دورة ثنائية، حتي لا يزرع القمح عامين متتاليين. اي ان لدينا 468 ألف فدان يمكن زراعتها اختياريا، وباقتناع الملاك تقع في 6 محافظات هي: شمال سيناء، الاسماعيلية، بورسعيد، مرسي مطروح، الوادي الجديد، أسوان. فقط، توفر الدولة التمويل في حدود 1400 جنيه للفدان اي حوالي 680 مليونا و400 ألف جنيه، بقروض من فروع بنك التنمية والائتمان الزراعي، لمدة الزراعة التي اقصاها ستة اشهر. لضمان متوسط انتاجية 17 أردبا 2.5 طن للفدان ونكون قد احيينا هذه الاراضي، وخضرناها ونشرنا في ربوعها سنابل الذهب ويكسب الفلاحون، والبنك ويزيد انتاجها حوالي مليون ومائتي الف طن أو اكثر من العدم اذا استوردناها سندفع فيها 370 مليون دولار اي 2 مليار و90 مليونا و500 ألف جنيه. فهل يقوم السيد امين اباظة وزير الزراعة ومعه الحكومة علي تنفيذ برنامج وطني عاجل، في الارض القديمة، والجديدة لزيادة انتاجنا من القمح.. ام نضيع الفرصة؟ واذكر بأن الوقت كالقمح، من ذهب وهو ايضا كالسيف ان لم تقطعه.. قطعك!