مجلس أمناء الحوار الوطني يتابع تنفيذ الحكومة الجديدة لتوصياته    مدرب البنك الأهلي: لن أخوض مباراة زد قبل مواجهة سموحة    بسمة وهبة تتنقد تقصير شركة شحن تأخرت في إرسال أشعة ابنها لطبيبه بألمانيا    برواتب تصل ل11 ألف.. 34 صورة ترصد 3162 فُرصة عمل جديدة ب12 محافظة    ملفات شائكة يطالب السياسيون بسرعة إنجازها ضمن مخرجات الحوار الوطني    بنها الأهلية تعلن نتيجة المرحلة الأولى للتقديم المبكر للالتحاق بالكليات    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 1 يوليو 2024    13 فئة لها دعم نقدي من الحكومة ..تعرف على التفاصيل    برلماني يُطالب بإعادة النظر في قانون سوق رأس المال    مع بداية يوليو 2024.. سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم    التطبيق من 6:00 الصبح .. المواعيد الجديدة ل غلق وفتح المطاعم والكافيهات ب القليوبية    اتحاد العمال المصريين في إيطاليا يكرم منتخب الجالية المصرية في موندياليتو روما 2024    4 جنيهات ارتفاعًا في سعر جبنة لافاش كيري بالأسواق    رئيس هيئة نظافة وتجميل القاهرة يبحث مع العاملين مستوى النظافة بالعاصمة    بدء محادثات الأمم المتحدة المغلقة بشأن أفغانستان بمشاركة طالبان    الرئيس الكيني يدافع عن تعامله مع الاحتجاجات الدموية في بلاده    رودرى أفضل لاعب فى مباراة إسبانيا ضد جورجيا فى يورو 2024    زيلينسكي يحث داعمي بلاده الغربيين على منح أوكرانيا الحرية لضرب روسيا    انتخابات بريطانيا 2024.. كيف سيعيد ستارمر التفاؤل للبلاد؟    بحضور 6 أساقفة.. سيامة 3 رهبان جدد لدير الشهيد مار مينا بمريوط    يورو 2024 – برونو فيرنانديز: الأمور ستختلف في الأدوار الإقصائية    رابطة الأندية تقرر استكمال مباراة سموحة ضد بيراميدز بنفس ظروفها    موعد مباراة إسبانيا وألمانيا في ربع نهائي يورو 2024    عاجل.. زيزو يكشف كواليس عرض بورتو البرتغالي    بسيوني حكما لمباراة طلائع الجيش ضد الأهلي    بسبب محمد الحنفي.. المقاولون ينوي التصعيد ضد اتحاد الكرة    من هي ملكة الجمال التي أثارت الجدل في يورو 2024؟ (35 صورة)    امتحانات الثانوية العامة.. 42 صفحة لأقوى مراجعة لمادة اللغة الانجليزية (صور)    حرب شوارع على "علبة عصير".. ليلة مقتل "أبو سليم" بسبب بنات عمه في المناشي    مصرع 10 أشخاص وإصابة 22 فى تصادم ميكروباصين بطريق وادى تال أبو زنيمة    صور.. ضبط 2.3 طن دقيق مدعم مهربة للسوق السوداء في الفيوم    إصابة 4 أشخاص جراء خروج قطار عن القضبان بالإسماعيلية    شديد الحرارة والعظمى في العاصمة 37.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم    بالصور والأرقام | خبير: امتحان الفيزياء 2024 من أسئلة امتحانات الأعوام السابقة    التحفظ على قائد سيارة صدم 5 أشخاص على الدائري بالهرم    تحالف الأحزاب المصرية: كلنا خلف الرئيس السيسي.. وثورة 30 يونيو بداية لانطلاقة نحو الجمهورية الجديدة    بالصور.. أحدث ظهور للإعلامي توفيق عكاشة وزوجته حياة الدرديري    ربنا أعطى للمصريين فرصة.. عمرو أديب عن 30 يونيو: هدفها بناء الإنسان والتنمية في مصر    عمرو أديب في ذكرى 30 يونيو: لولا تدخل الرئيس السيسي كان زمنا لاجئين    «ملوك الشهر».. 5 أبراج محظوظة في يوليو 2024 (تعرف عليهم)    محمد الباز يقدم " الحياة اليوم "بداية من الأربعاء القادم    في أول أعمال ألبومه الجديد.. أحمد بتشان يطرح «مش سوا» | فيديو    مدير دار إقامة كبار الفنانين ينفي انتقال عواطف حلمي للإقامة بالدار    من هنا جاءت فكرة صناعة سجادة الصلاة.. عالم أزهرى يوضح بقناة الناس    تعاون بين الصحة العالمية واليابان لدعم علاج مصابي غزة بالمستشفيات المصرية    علاج ضربة الشمس، وأسبابها وأعراضها وطرق الوقاية منها    ذكرى رأس السنة الهجرية 1446ه.. تعرف على ترتيب الأشهر    تيديسكو مدرب بلجيكا: سنقدم ما بوسعنا أمام فرنسا    وزير الري: الزيادة السكانية وتغير المناخ أبرز التحديات أمام قطاع المياه بمصر    رئيس الوزراء: توقيع 29 اتفاقية مع الجانب الأوروبي بقيمة 49 مليار يورو    أمين الفتوى: التحايل على التأمين الصحي حرام وأكل مال بالباطل    هل تعاني من عاصفة الغدة الدرقية؟.. أسباب واعراض المرض    فيديو.. حكم نزول دم بعد انتهاء الحيض؟.. عضو بالعالمى للفتوى تجيب    اعرف الإجازات الرسمية خلال شهر يوليو 2024    جامعة القاهرة تهنئ الرئيس والشعب المصري بثورة 30 يونيو    أبوالغيط يبحث مع وزير خارجية الصومال الأوضاع في بلاده    محافظ الإسكندرية يطلق حملة "من بدري أمان" للكشف المبكر وعلاج الأورام السرطانية    هل الصلاة في المساجد التي بها أضرحة حلال أو حرام؟..الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالعظيم حماد: شرق مصر وغربها
نشر في أخبار مصر يوم 26 - 08 - 2011

ردا على سؤال في جلسة خاصة،‏ أجاب المسئول الكبير المطلع على ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية،‏ وملف العلاقات المصرية الأمريكية بأن مصر لن تكتفي بالاستجابات الإسرائيلية المحدودة لاحتجاجها على حادث الاعتداء على قواتها عند العلامة 79 الحدودية، والذي أدى إلى استشهاد خمسة من أفراد هذه القوات، وأضاف أن هذه الاستجابات المحدودة هي حسب ما جرى من اتصالات مصرية أمريكية، واتصالات مصرية إسرائيلية مقدمة للتحقيق المشترك في الحادث، الذي يعد في ذاته واحدة من تلك الاستجابات التي وصفناها بأنها محدودة، وأن الاعتذار الرسمي والتعويض، وإعادة فتح ملف الترتيبات الأمنية في سيناء في إطار اتفاقيات كامب ديفيد ستكون هي النتائج الحتمية لإدانة إسرائيل بمقتضى التحقيق المشترك.
إذ مادمنا قد طلبنا تحقيقا، فإن العرف الدبلوماسي يقتضي انتظار نتائجه قبل الانتقال إلى الخطوة أو الخطوات التالية، ولذا فإن مصر قد طلبت وضع سقف زمني لانتهاء هذا التحقيق، ومن المؤكد أن أي تحقيق سوف يدين إسرائيل، ليس فقط بسبب الرواية المصرية الرسمية لمجريات الحادث، وليس فقط بسبب روايات شهود العيان من أفراد قواتنا الذين استشهدوا وذلك قبل أن تفيض أرواحهم الطاهرة إلى بارئها، ولكن أيضا بسبب الدليل الدامغ المتمثل في تقرير قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات الذي سجل على القوات الإسرائيلية انتهاكها لخط الحدود مع مصر لارتكاب عدوانها الأثيم، وإذا تذكرنا أن تلك القوات متعددة الجنسيات أغلبها أمريكي، وأن قيادتها أمريكية أيضا، وإذا تذكرنا كذلك أنه على كثرة الحوادث الإجرامية المماثلة التي ارتكبتها إسرائيل ضد قواتنا على طول خط الحدود في عهد النظام البائد، فإنه لم يحدث قط أن أصدرت هذه القوات مثل ذلك التقرير، فإن الدلالة التي يجب أن تلفت نظرنا هنا هي أن الأطراف المعنية أدركت فور وقوع الحادث، واندلاع الغضب الشعبي والرسمي في مصر من إسرائيل أن التعامل مع القاهرة بعد ثورة يناير يستحيل أن يبقى على الأسس التي كان يجري التعامل عليها قبل الثورة.
ربما يدفعنا هذا الاستنتاج الصحيح تماما إلى إضافة سبب جديد إلى جميع الأسباب المفترضة للجريمة الإسرائيلية، وكانت التفسيرات غير الرسمية في كل من القاهرة وواشنطن وتل أبيب قد تراوحت ما بين أن ما حدث قد يكون خطأ غير مقصود، أو أنه خطأ مقصود، ولكن من جانب القيادة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، وليس وراءه بالتالي دافع سياسي، أو أنه وراء الحادث قرارا سياسيا لإنقاذ حكومة نيتانياهو من السقوط بسبب الاحتجاجات الشعبية، وربما تكون هناك خطة إسرائيلية لتوريط مصر في حرب غير مخطط لها من الجانب المصري في لحظة يفترض أنها لحظة ضعف داخلية، بل وربما تكون هناك منظمة فلسطينية غير منضبطة خططت بإلهام متطرف لتوريط مصر، وإشعال المنطقة لتهيئة المناخ لقوى التطرف للسيطرة على القرار في القاهرة ثم في غيرها من العواصم العربية.
ومع أنه لا توجد قرائن كثيرة ترجح تفسيرا على آخر، فإنه من الصعب استبعاد أي من هذه التفسيرات، في ضوء النقص في المعلومات، ومن هنا لابد أن ننتبه إلى السبب الذي قلنا توا إنه يمكن إضافته إلى تلك الأسباب، وهو أن إسرائيل ربما أرادت اختبار العزيمة العربية رسميا وشعبيا، وكذلك اختبار الموقف الدولي عموما والأمريكي خصوصا في وقت افترضت فيه أن الجبهة الداخلية في مصر تمر بمرحلة من السيولة بسبب خلافات ما بعد إقصاء الرئيس السابق ما بين القوى السياسية بعضها والبعض، وبين بعض هذه القوى والمجلس الأعلى للقوات المسلحة في الداخل لمدة تزيد على ستة أشهر،، أما الهدف من ذلك الاختبار الإسرائيلي (المفترض) للعزيمة المصرية فهو معرفة ما إذا كان الوقت مناسبا أم لا لتنفيذ أي من المخططات التي قرأنا وسمعنا كثيرا أن إسرائيل تعدها للتنفيذ في سيناء في الوقت المناسب، وأحدها يتمثل في اقتطاع أراض مصرية لإضافتها إلى غزة، تمهيدا لقيام الدولة الفلسطينية عليها أو لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين في الشتات كحل نهائي من جانب واحد للقضية، أما السيناريو الإسرائيلي الثاني لسيناء والذي تردد أخيرا على ألسنة سياسيين وخبراء استراتيجيين في إسرائيل فهو إقامة شريط أمني بعمق 6 كيلو مترات داخل سيناء على طول خط الحدود، تسيطر عليه قوات إسرائيلية، بما أن مصر غير قادرة على تأمين حدودها المشتركة مع إسرائيل، كما يروجون.
كما نعرف الآن فإنه ثبت أن العزيمة المصرية لم تكن، ولن تكون واهنة أمام الاختبار الإسرائيلي، إذ سرعان ما التف جميع المصريين برغم خلافاتهم حول أمن مصر وكرامتها، وحول قواتهم المسلحة وقيادتها، برغم الارتباك الذي ظهر في تعامل مجلس الوزراء دبلوماسيا مع الأزمة في بدايتها، وكذلك جاء الموقف الدولي مضادا لنيات الاختبار الإسرائيلي، إذ إن أحد دوافع واشنطن لإصدار تقرير القوات متعددة الجنسيات بإدانة إسرائيل في عدوان العلامة 79 الحدودي، كان توجيه رسالة لإسرائيل بأنها ليس مسموحا لها دوليا بالعدوان على مصر في لحظة إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية بعد ثورة عارمة، مثلما كان قد سمح للعراق بالهجوم علي إيران عقب ثورتها الشعبية ضد الشاه، وفي ذات الوقت فقد كان أحد دوافع ذلك التقرير الذي يحمل إسرائيل المسئولية هو احتواء الضرر الذي ألحقه تصريح لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بالعلاقات المصرية الأمريكية، ذلك التصريح الذي اتهمت فيه كلينتون مصر بالفشل في السيطرة علي الأوضاع الأمنية في سيناء، وبالطبع فإن مهمة جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأوسط في القاهرة أخيرا كانت لهذا الغرض نفسه.
هل يكفي للشعور بالاطمئنان نحو نيات إسرائيل أو غيرها القول بأن اختبارها للعزيمة المصرية، وللموقف الدولي قد مني بالفشل؟ وهل يشعرنا بالرضا المبالغ فيه عن الذات أن الإسرائيليين عادوا يتحدثون في اليوم التالي عن السلام مع مصر بوصفه خيارا استراتيجيا، وأن الأمريكيين شعروا بالسعادة الغامرة لنجاح مهمة فيلتمان حسب قولهم في التأكيد أن مصر لن تلغي اتفاقات كامب ديفيد؟
الإجابة بالقطع هي لا كبيرة، لأن نيات إسرائيل العدوانية لا تعرف الكلل إلا إذا تأكدت مسبقا من الفشل، ولأن الدبلوماسية الإسرائيلية بارعة في استهلاك الوقت والمناورة للتخلص من تعهداتها، لذا فالمطلوب من مصر علي وجه السرعة مواصلة الضغط الدبلوماسي بأقصي قوة لإتمام التحقيق في حادث العلامة 79، وتسجيل نتائجه في مجلس الأمن، وطلب اعتذار إسرائيلي رسمي علني، والتحرك لإعادة التفاوض حول البنود الأمنية في اتفاقية السلام التي مضي عليها الآن ثلاثون سنة، وهي فترة كافية لإعادة التفاوض لما طرأ فيها من متغيرات ضخمة، أبرزها فيما يتعلق بالأمن عولمة الإرهاب، بما يتطلب زيادة الوجود العسكري المصري في سيناء، واستمرار العجز عن إيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية بتعنت من إسرائيل، وهو ما يؤدي إلي استمرار التوتر، وأعمال العنف، كل ذلك يجب أن يسير بالتوازي مع تركيز الجهود والاستثمارات لتنمية سيناء بالسرعة القصوي زراعيا وصناعيا، وليس سياحيا فقط، وحل مشكلات أهالينا في سيناء حلا جذريا وشاملا في سياق من التفاعل الذي لا ينقطع بين الوادي وبين شبه الجزيرة، وبالتوازي مع هذا وذاك فإن بناء مصر الديمقراطية المتقدمة علميا واقتصاديا هو الذي سيحقق التوازن في معادلة القوي الشاملة ليس في مواجهة إسرائيل فحسب، ولكن في عموم منطقة الشرق الأوسط خاصة أن مصر لديها حلفاؤها الطبيعيون من العرب والمسلمين في الإقليم علي اتساعه.
ولا يقل أهمية عن ذلك إخراج قضايا الأمن القومي المصري، بما فيها علاقات الحرب والسلام مع إسرائيل من المزايدات السياسية والإعلامية الداخلية، فهناك حقا من يريد توريط مصر في حرب غير مخطط لها، وقد ينزلق البعض بحسن نية أو بغير حسن نية إلي الضغط علي جرح الكرامة المصرية من أجل ذلك الهدف، ودون تفصيل أكثر من ذلك أدعو القراء إلي البحث عن مقال نشره الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل في الأهرام في منتصف عام 1969 أورد فيه وثيقة سرية صادرة من قيادة حزب البعث العراقي الذي كان قد استولي علي السلطة قبلها، وكانت عبارة عن تعميم حزبي لكل الموالين لبعث العراق يطلب فيه مواصلة الضغط الدعائي علي مصر، وعلي الرئيس جمال عبد الناصر لإجباره علي شن حرب متسرعة ضد إسرائيل حتي تهزم الناصرية الهزيمة النهائية فتخلو الساحة العربية لتيار البعث باعتبار أن الناصرية كانت في عرف البعثيين هي التيار الرئيسي المنافس لهم، في حين كان فيه التيار الإسلامي كامنا.
فإذا كان قد وجد في الماضي من يريد هزيمة مصر هزيمة لا قيام منها أمام إسرائيل من العرب لأسباب المنافسة السياسية، فهل بوسع أحد أن يفترض أن شيئا من ذلك القبيل غير قابل للتكرار اليوم، خاصة أن قوي الاستبداد العربي التي تتساقط اليوم مستعدة لعمل أي شيء تري فيها إنقاذا لها من المصير المحتوم، فضلا عن قوي التطرف الصهيوني، واليمين الغربي الأمريكي العنصري والديني والعنصريين الأوروبيين، إلخ.
خلاصة القول فيما يتعلق بالحدود الشرقية لمصر، هو أن العزيمة القوية مطلوبة، وأن العمل الجاد لتأمين سيناء عسكريا وتنميتها اقتصاديا لا ينبغي أن يتأخر دقيقة واحدة، ولكن الحذر والتعامل بمسئولية مع الموقف مطلوبان بنفس القوة والإلحاح.
علينا الآن أن نلقي نظرة علي حدودنا الغربية، فها قد بان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وانتصرت ثورة الشعب الليبي العظيم علي نظام الدجل والاستبداد والفساد الذي أقامه معمر القذافي، لكن شكل ومضمون النظام الجديد لم يترسخا بعد، وإذ نتمني بل ونصدق نيات القيادات الليبية الثورية في الحفاظ علي وحدة التراب الوطني، وعلي إقامة نظام ديمقراطي، فإن الاحتمالات الخطيرة تبقي واردة، وإذا كانت مصر التي لم تنزلق ثورتها إلي حرب أهلية بفضل حكمة الثوار وبفضل وطنية قواتنا المسلحة لم تحقق بعد الاستقرار السياسي، فما بالنا بليبيا التي خاضت ثورتها حربا أهلية لمدة ستة أشهر، تفكك خلالها الجيش نفسه، فضلا عن استمرار وجود مؤثرات قبلية، بما يقطع بأن استقرار الأوضاع هناك ربما يكون أبعد منالا مما نتمني، وبذلك تظل المخاطر علي أمن مصر واردة بقوة، وقد رأينا طيلة الأشهر الماضية صورا عديدة من تلك المخاطر، لعل أشهرها تلك الكميات الهائلة من الأسلحة المتطورة والثقيلة نسبيا التي ضبطت في وادي النطرون، وفي مطروح وغيرها من المناطق مهربة من ليبيا، ومن المؤكد أن تفكك الجيش الليبي سيوفر لشبكات التهريب، وطالبي التسلح موردا سخيا لكل أنواع الأسلحة، سواء عبر مصر أو تونس أو الجزائر أو تشاد أو النيجر، لذا فإن ضبط الحدود الغربية أصبح من أولويات الأمن القومي المصري، كما أن استعادة السيطرة الأمنية في الداخل باتت ملحة أكثر من أي وقت مضي.
مسألة أخري تتعلق بأمن مصر القومي، وترتبط بانتصار الثورة الليبية، فكما نعلم فقد انتصرت هذه الثورة بمساعدة من حلف الأطلنطي، كما أن دول الحلف سوف تشارك بالقطع بدور ما في تقرير أوضاع المستقبل في ليبيا، لذا فعلي مصر أن تتحرك من خلال الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي فورا للمشاركة في المؤتمرات الدولية لمساعدة ليبيا، وتقديم الخبرة السياسية والدبلوماسية للإخوة الليبيين في التعامل مع الأطراف الدولية، وسوف تكون تركيا (العضو في حلف الأطلنطي) شريكا فعالا لمصر في هذه الجهود وجسرا لا يستهان به بين الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وبين الأطلنطي، ومن المهم في هذه النقطة التركيز مصريا وتركيا علي ألا يكون لإسرائيل من خلال حلف الأطلنطي موطن قدم في ليبيا، إذ سيكون خطأ كبيرا أن نترك مثل هذا الاحتمال يحدث فتكون إسرائيل في شرقنا، وفي جنوبنا الإفريقي، وفي غربنا الليبي، لكن بلوغ ذلك الهدف وغيره يتطلب أوثق العلاقات مع ثوار ليبيا وشعبها علي وجه السرعة.
نقلا عن جريدة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.