يبدو أن نزيف الخسائر والهزائم وزمن التراجع الذي يعانيه تنظيم القاعدة طيلة الفترة الماضية كان محفزا للبحث من جديد عن بدائل وخطط وأفكار إرهابية خلاقة لاستعادة بعض البريق والحضور السياسي والإعلامي في المشهد الدولي. لطالما أن القيادة والمركز الرئيسي بقيادة بن لادن والظواهري علي الحدود الأفغانية الباكستانية توجه الحصار والضربات والتهميش وتضييق فرص الظهور والحركة بشكل مطلق باستثناء الظهور الإعلامي علي فترات متباعدة وبأدبيات قديمة مستهلكة. وكذلك الحال بالنسبة لفروع التنظيم الأخري في العراق الذي دخل مرحلة الأفول وبداية النهاية بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي وأيضا القاعدة في جزيرة العرب بالخليج التي لم يكتب لها الصمود والبقاء كثيرا وانهارت سريعا. لذا فقد وجد الظواهري الأمل والحل السحري في عودة القاعدة وجعلها ملء السمع والبصر عن طريق تفعيل وتنشيط فرع التنظيم الوليد للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي . لتبقي أسطورة إرهاب القاعدة حية ومتفجرة دوما مع إدخال جنسيات أوروبية جديدة لتحتل المرتبة الأولي بجانب الأهداف الأمريكية ولتكن هذه المرة رعايا وأهداف فرنسية وإسبانية وعديد من دول الاتحاد الأوروبي وفي الجزائر وسائر دول المغرب العربي من الآن فصاعدا. ولم تكن أوامر وطلبات الاعتداءات والتفجيرات من قبل الظواهري للأزلام الجدد من قاعدة بلاد المغرب عن الرسائل المشفرة هذه المرة بل صريحة وعلانية يقرأها القاصي ويستوعبها الداني عبر طلبه المباشر منهم أضربوا الرعايا والمصالح الفرنسية والأسبانية لتخلصوا بلاد المغرب من عودة المستعمر مرة ثانية علي حد قوله. وفهم أن تلك الرسالة تحمل طلبا بموجة جديدة صاعقة من الإرهاب المفخخ في الجزائر ودول المغرب عبر نقلة نوعية في خطط وتكتيكات التنفيذ فستبدل صفعات التفجير والقنابل التقليدية إلي فرق انتحارية وأحزمة ناسفة مسمومة وفرق الموت الجوال. ويبدو أن نداء الظواهري وعملية الأخضرية في الحال ضد الرعايا الفرنسيين كانا بمثابة الاستفاقة الكبري للسلطات الفرنسية التي أدركت في الحال أن المصالح والأهداف في دول المغرب العربي أصبحت في مرمي تفجيرات وانتحاريي القاعدة وأن تحركات الرعايا ستكون علي اللائحة والأهداف في متناول الأيدي والأجساد الطائرة لجيش المراهقين الذين التحقوا بجبال القاعدة فتلقوا الإعداد والتدريب وسلموا قوائم عمليات المباغتة والتفجيرات الزلزالية خاصة أن رعايا فرنسا كثير نحو40 ألفا في الجزائر وحدها والمصالح والمؤسسات والأهداف كثيرة حدث ولا حرج, فقد كانت بلاد الحديقة الخلفية لأطول استعمار في تاريخ البشرية(132 عاما). عملية استباقية: ولكن الأمر الأكثر إثارة أن لعبة المطاردات بين القاعدة وفرنسا علي أرض الجزائر كانت سباقة لأيام وأسابيع قبل نداء الظواهري وتفجير الأخضرية حيث أرادت القاعدة أن تحتفي بالرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي عبر التخطيط لعملية متقنة بالغة الدقة وسرية التنفيذ بخطف عدد من الفريق الفرنسي التابع لإدارة مطارات باريس . الذي يتولي تسيير وإدارة مطار الجزائر الدولي الجديد طبقا لاتفاقية جديدة بين الجانبين حيث كانت تسعي قيادة الجماعة السلفية للخطف وبدء عملية مساومة طويلة إما بالقتل والذبح علي طريقة من كان الوسيط الأول لهم في الانضمام وحمل صك القاعدة الأم أبو مصعب الزرقاوي أو طلب ملايين الدولارات كفدية لشراء الأسلحة والتجهيزات وتجنيد العملاء والعناصر الجدد من الداخل ودول الجوار المغربي أو تنصيب وكلاء جدد في الدول المغاربية طبقا لوصية الظواهري. ولكن قبل تدوير الدوائر وتنفيذ العملية كانت يد السلطات الأمنية في الجزائر الأطول هذه المرة حيث سارعت بإبلاغ الاستخبارات الفرنسية التي نجحت في ساعات معدودة من إنقاذ ونقل اثنين من الموظفين المستهدفين في الطاقم الفرنسي من الجزائر إلي باريس بسرعة البرق وتفشل الجولة الأولي من المواجهة بين فرنسا والقاعدة وإن كانت قيادة الأخيرة كادت لتثأر لنفسها في عملية الأخضرية في الأسبوع نفسه. وتبلغ القيادة الفرنسية عبر رسالة فيديو مصور لقياديين التنظيم بأن حرب الضربات الاستباقية قد بدأت من الآن فصاعدا علي أرض الجزائر وسائر مناطق المغرب العربي. لتفطن بعدها علي الفور السلطات الفرنسية وتطلب في الحال من الحكومة الجزائرية وبقية دول المغرب العربي إعلان حالة الاستنفار الأمني والتعاون مع الجانب الفرنسي حيث كان مضمون الرسالة الفرنسية لدول المغرب فلنأخذ تهديدات القاعدة من الآن مأخذ الجد بدلا من أن يأتي الأسود الدامي خاصة أن لدي فرنسا تجارب قاسية في عمليات الخطف والقتل ورصد لأهدافها في الجزائر خلال فترة التسعينيات والتي عانت خلالها علي يد الجماعات الإرهابية في ذلك الوقت وأبرزها الجماعة الإسلامية المسلحة. حيث هزمت منها بالضربة القاضية بعد أن تمكنت من قتل30 فرنسيا في عمليات مؤلمة حملت كثيرا من العناوين الرئيسية لباريس لتنسحب علي أثرها من الملعب الجزائري وتصدر تقارير مشوهة أغضبت السلطات في الجزائر طيلة التسعينيات وكانت تحمل عنوانا واحدا دوما من يقتل من في الجزائر. ولكن يبدو الوضع مغايرا هذه المرة حيث السلطة باتت في الجزائر قوية وتملك زمام السيطرة والمبادرة في حرب ماراثونية طويلة مع فلول وكتائب القاعدة بطول غابات وجبال ولايات الشرق والغرب الجزائري واستطاعت بالفعل حسب مضاربات أمنية عديدة في الجزائر ودول الجوار في شمال المتوسط أن تحقق عديد النجاحات والضربات في العمق ضد القاعدة وأخواتها من التنظيمات الإرهابية القديمة المتحالفة معها, وذلك بفضل توسيع دائرة التنسيق الأمني مع دول المغرب العربي والأوروبية في حوض البحر المتوسط مجتمعة. بالرغم من الضربات القاتلة للقاعدة ضد أهداف استراتيجية في الجزائر في الفترة الماضية إلا أن الهاجس الأكبر من خطر القاعدة في المغرب العربي لم يعد يتوقف عند حدود الجزائر ودول المنطقة المغاربية, بل كانت معظم إن لم يكن الكل الدول الأوروبية الأكثر توجسا هذه الأيام من خطر الموت المتنقل للقاعدة والذي حتما سيصل إليها طبقا لاستراتيجية القاعدة الثلاثية الجديدة التي تري أن البداية كانت بالجزائر ثم ينتقل عتادها وعددها في الأيام المقبلة إلي بقية دول المغرب وصولا للهدف الثالث والأوسع بنقل قيادات وعمليات قاعدة بلاد المغرب بوصفها الأقرب والأكثر حرفية ودراية بالدول الأوروبية بحكم خبرة التعايش أيضا إلي عواصم ومدن تلك الدول خلال العامين القادمين علي أكثر تقدير. وإذا كان هذا واقع الحال لمجمل الدول الأوروبية حاليا إلا أن مساحات التوجس والمخاوف الفرنسية باتت مضاعفة عن نظيرتها الأوروبية حيث بدأت معركتها الحالية مع القاعدة بشكل مبكر قبل أن تعد وتجهز أجندتها السياسية الجديدة من قبل إدارة ساركوزي باتجاه الجزائر ودول المغرب وهي التي تخطط حاليا لتجاوز مرارات الماضي وفتح صفحة جديدة مع بلد مثل الجزائر بعد سنوات العداء والخصومة السياسية, طلبا للاعتذار عن سنوات الاحتلال. وبالتالي تجد فرنسا نفسها حاليا في مرمي نيران وتفجيرات القاعدة بقوة حيث إنها مصممة هذه المرة علي الحضور والبقاء في الجزائر وليس الانسحاب والهروب إلي الأمام كما حدث في إرهاب التسعينيات حيث مشاريع الاستثمارات العملاقة القادمة واتفاقيات البترول والغاز المريحة فضلا عن التحدي والمواجهة المباشرة التي تخوضها حاليا بشكل جديد باتجاه الحضور والاكتساح الأمريكي حاليا لدول المغرب العربي خاصة الجزائر. حيث توجد منابع البترول بوفرة في مقابل تصميم فرنسي علي استعادة الحضور والنفوذ الممتد في تلك الدول كما كان في السابق. لذا تجد نفسها مدفوعة دفعا للبقاء والوجود في الجزائر مهما كانت تهديدات القاعدة وضرباتها حيث كان الماضي وسيكون المستقبل أيضا هنا ناهيك عن استخدام ساركوزي نفس استراتيجية بوش وفريق المحافظين الجدد في البيت الأبيض خلال الحرب مع القاعدة في العراق. حيث تري استراتيجية الإليزيه الجديدة أنه لابد من العودة والتمترس في الجزائر بقوة ومحاربة القاعدة هناك بالتعاون مع الرئيس بوتفليقة والسلطات الأمنية بأعتي الأسلحة وميكانيزمات التعاون والتنسيق الكامل بدلا من أن تأتي القاعدة إلينا في فرنسا.