حتي تتأكد أجهزة المخابرات الأمريكية وغيرها أن شريط بن لادن الأخير حقيقي ويحمل صوته فعلاً، فإن ثمة ملاحظات لا يمكن تجاهلها، إذا اعتبرنا أن الصوت الذي سمعناه في الشريط الأخير هو صوت زعيم القاعدة الذي أخفقت أمريكا في الوصول إليه منذ أحداث سبتمبر 2001، وتتهم السلطات الباكستانية بالتستر عليه! وأولي هذه الملاحظات: أن هذا هو أول ظهور صوتي ل«بن لادن» بعد اختفاء زمني طويل كان يشغله بين الحين والآخر نائبه أيمن الظواهري لدرجة أن ذلك أشاع تكهنات حول إصابته في الغارات التي تقوم بها الطائرات الأمريكية لمنطقة الحدود الباكستانية- الأفغانية، والتي تعتقد المخابرات الأمريكية أن بن لادن يختبئ فيها، وها هو زعيم القاعدة هو الذي يظهر بعد محاولة تفجير طائرة أمريكية بنفسه وليس الظواهري. لكن هذا الظهور الصوتي له جاء بعد أكثر من ثلاثة أسابيع كاملة من حادث أو محاولة تفجير الطائرة الأمريكية، ليتحدث عن هذه المحاولة ويتبناها. وهذا يعني أن ثمة مصاعب كثيرة وليست هينة واجهت بن لادن لتسجيل هذا الشريط الصوتي، ثم نقله إلي مكان إذاعته، مما يفتح الباب أمام استنتاج أن تنظيم القاعدة يعاني من ضعف التسهيلات اللوجيستية التي كان يحظي بها من قبل والتي كانت تتيح ل«بن لادن» الظهور صوتا وصورة بشكل أيسر وأسهل، كما يمكننا استنتاج أيضاً أن زعيم القاعدة إمعاناً في اختفائه وخوفاً من اكتشاف مكان هذا الاختفاء يراعي إجراءات أمن كثيرة وصارمة هي السبب في تأخر ظهوره الصوتي لأكثر من ثلاثة أسابيع علي وقوع محاولة تفجير الطائرة الأمريكية. وعندما ظهر بن لادن بصوته فإنه -وهذه هي الملاحظة الثالثة- تبني محاولة فاشلة وليست ناجحة لتفجير الطائرة الأمريكية صحيح أنه يريد أن يقول لمن يسمعه إن تنظيم القاعدة موجود لم تؤثر فيه الملاحقات والضربات المستمرة، وقادر علي الضرب هنا وهناك وإلحاق الأذي بأمريكا وطائراتها، إلا أن تبني محاولة إرهابية فاشلة يقلل بشدة من شأن تهديدات زعيم القاعدة للأمريكيين فإذا كانت القاعدة قادرة علي توجيه الضربات فإن أجهزة الأمن الأمريكية قادرة علي إحباط هذه الضربات، حتي ولو كانت هذه الأجهزة نالت لوما وتأنيبا واسعا من الرئيس الأمريكي باراك أوباما. والملاحظة الرابعة: تتمثل في أن بن لادن وجه تهديدات لأمريكا وحدها، ولم تمتد هذه التهديدات إلي الأوروبيين علي غرار ما كان يفعل هو والظواهري من قبل، فهل يعني ذلك أن تنظيم القاعدة قرر أن يركز ضرباته فقط للولايات المتحدة؟! وإذا كان ذلك هو الأمر فلماذا؟!.. هل يري تنظيم القاعدة أن سياسات أوروبا قد انصلحت من وجهة نظره فقرر ألا يقوم بهجمات عليها؟.. أم أن القاعدة تخفي مفاجأة غير سارة للأوروبيين؟! أما الملاحظة الخامسة: في شريط بن لادن فهي تتمثل في أنه وجه تهديداته للأمريكيين بعمليات إرهابية جديدة لأنهم يساندون ويدعمون إسرائيل.. تجاهل زعيم القاعدة الأفغان والحوثيين والباكستانيين وتحدث فقط عن الفلسطينيين.. لم يتحدث مثلما كان يتحدث من قبل عن عداء أمريكا للإسلام والمسلمين، ربما لأن أوباما اختلف عن سابقه بوش وقدم نفسه كداعية للتصالح بين أمريكا والمسلمين.. ولكن تغافل بن لادن لما يحدث في أفغانستان التي قرر أوباما زيادة قواته فيها وباكستان التي تقوم الطائرات الأمريكية بالاغارة عليها أمر غير مفهوم ويدعو للتساؤل عما يفكر فيه بن لادن إذا ما كان مازال حياً، وكان الشريط الصوتي الأخير له شخصياً. تبقي الملاحظة الأخيرة: وهي الملاحظة الدسمة دائماً، وتتمثل في أن بن لادن الذي هدد الولاياتالمتحدة بعمليات إرهابية جديدة لمساندتها إسرائيل، لم يهدد الإسرائيليين ذاتهم بشيء حتي ولو بعملية واحدة فاشلة، فإذا كان زعيم القاعدة يضرب أمريكا لمساندتها إسرائيل، فلماذا لا يوجه ضرباته لإسرائيل نفسها؟! علي كل حال هذه الملاحظات التي يمكن رصدها حتي الآن علي شريط بن لادن، وحينما يتم التأكد من صحته قد تكون هناك ملاحظات أخري.