تتميز العلاقات الدبلوماسية السورية الإيرانية بطابع الخصوصية، حيث تحولت إلى تحالف إستراتيجي, وتعاون دبلوماسي, ووحدة سياسية, علما بأنها العلاقة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تتميز بالتوافق والترابط والثبات منذ ما يربو عن ثلاثين عاما في بيئة سياسية دبلوماسية تتسم باللهدوء والتوتر في آن واحد, ممزوجة بالتغيرات والمفاجآت والإستقرار المختلط بالتقلبات والصراعات، هذا فضلا عن الإنكشافية التي يعانيها النظام الإقليمي الشرق أوسطي، أي تلك التدخلات الإقليمية والدولية التي تصل إلى مستوى الإستباحة, لذلك.. في ظل هذه الظروف, وفي ظلام هذه الكهوف, يتعثر قيام علاقات متأصلة ومستقرة تجمع بين بلدين من بلاد المنطقة, لذا.. تجدها علاقة ملفتة للإنتباه, ومثيرة للتساؤلات, فما هى الأسباب التي تجعل مثل هذه العلاقة الدبلوماسية والسياسية راسخة وقوية حتى تستمر الى مايقرب من ثلاثة عقود, في بيئة متوترة سياسيا, ومختلة دبلوماسيا, ومهتزة عسكريا, فهى منطقة لا تعرف الإستقرار والهدوء؟ هنا سؤالين هامين يحبا أن يطرحا نفسيهما وهما: لماذا وقفت أمريكا موقف العاجز عن حل لغز أو فك شفرة أو حتى تفكيك هذه العلاقة؟ وما هي الأسباب الحقيقية التي تدفع سوريا للتحالف مع إيران والتدبير من أجل الإستمرار في هذا التحالف، وبالتالي الإبتعاد عن النظام الإقليمي العربي؟ فعادة ما يصرح المسئولون السوريون في لقاءاتهم الصحفية تعاونهم المثمر مع إيران, وترابطهم مع السياسة الإيرانية, وحفاظهم على البروتوكول الدبلوماسي بينهما, فالبلدان يتبادلان الرسائل البروتوكولية, والوفود الدبلوماسية, ورجال المال والأعمال والإقتصاد, ولكن كل هذا الترابط الفكري والسياسي والروحاني, برأيهم لا يكفي للقول بوجود حلف بينهما، فعند التدقيق في تفاصيل السياستين الإيرانية والسورية تجاه القضايا الساخنة في المنطقة تلاحظ الفروقات الكبيرة بين موقف كل منهما من هذه القضايا والتي قد تصل إلى درجة التناقض في بعض الأحيان, علما بأن العلاقة الإيرانية السورية تأسست بعد قيام الثورة في إيران عام 1979, وعندما قررت الثورة أن تصدر نفسها لدول المنطقة, قامت الحرب العراقية الإيرانية, ووقفت الدبلوماسية السورية بجوار الثورة الإيرانية بحجة تهدئة العداء بين الدول العربية وإيران، ولكن كان الموقف في واقع الأمر, نكاية بالعراق وعداء له, وأملاً بأن تسقط الحرب الإيرانية العراقية الرئيس الراحل صدام حسين.
الظروف الآن مختلفة تماما، فقد قويت شوكة النظام الإيراني وأصبح يتطلع إلى دور إقليمي فعال لا يخلو من الطموح للهيمنة، وأقام شبكة من القوى الداعمة له في بلدان المنطقة المحيطة العربية والأجنبية، وتعافى إقتصادياً وقوي عسكرياً، كما صار القوة الرئيسية المؤثرة في شؤون العراق بعد الغزو الأميركي حيث أن حكام العراق الرئيسيون من أنصار إيران, فضلاً عن علاقته المتينة والمتأصلة بحزب الله في لبنان, ودعمه لحركة حماس الفلسطينية, فصار لإيران سياسة واضحة ومواقع متجذرة في هذه البلدان، فأين موقع السياسة السورية من كل ذلك؟
بإختصار شديد ربما يخطئ من يعتقد بتطابق السياستين الإيرانية والسورية تجاه القضايا الرئيسية للمنطقة وخاصة الساخنة منها والشائكة، علما بأن السياسة السورية حذرة كل الحذر تجاه سياسة العراق الحالية المتحالفة مع إيران إن لم تكن متناقضة معها, وتترك دائماً مسافة بينها وبين هذه السياسة، ولكن سوريا في الوقت نفسه حريصة كل الحرص على وحدة العراق, لماذا؟ لأن تقسيمه سيكون بمثابة تهديد مباشر للأمن القومي السوري، فضلا عن أن سوريا تؤيد المقاومة العراقية بل وتراها مقاومة مشروعة في مواجهة الإحتلال الأمريكي، ولكن.. من المعلوم أن المواقف الإيرانية مختلفة أو تكاد تكون متناقضة مع المواقف السورية تجاه تلك القضايا, بيد أن سوريا تحرص على عدم تفجير الوضع الفلسطيني, وتعتبر الوحدة الوطنية الفلسطينية عاملاً هاما ومساعداً لإضعاف المواقف الإسرائيلية, بينما ترى السياسة الإيرانية أن المقاومة الفلسطينية المسلحة هي الحل الصحيح حتى لو أدى ذلك إلى تفجير فلسطين داخليا، إضافة إلى أن سوريا تسعى لإستئناف المفاوضات مع إسرائيل وهذا مالا تراه إيران, ليس ذلك وفقط بل وربما تستنكره ضمناً ومضمونا, إضافة الى أن الخلاف قائم أيضا بين سوريا وإيران في لبنان, حتى مع إتفاقهما على دعم حزب الله, كل بلد لأسبابه التي تخص سياساته وتوجهاته ومصالحه، كما أن السياسة السورية ليست راغبة في هيمنة إيرانية على دول الخليج وليس في إهتمامها دعم إيران لتكريس دورها كقوة إقليمية كبرى.
إذن.. فما هى الأسباب الحقيقية التي تجعل العلاقات الدبلوماسية الإيرانية السورية قوية الى ها الحد؟ والإجابة أنه يمكن القول أن هناك أسبابا متعددة تجعل هذه العلاقات قوية من أهمها: تجسيد إرادة ورغبة قادة البلدين بأهمية هذه العلاقات التي ظهرت أهميتها في أوقات المحن والشدة ووجدا فيها سبيلاً ناجحاً في مواجهة الضغوط والمشاريع التي أثيرت ضدهما ووجهت للنيل منهما, كذلك لترميم وتعويض حالة الضعف التي كانت تمر بها سوريا عندما كانت تتعرض الى ضغوطات وإتهامات ومؤامرات عدوانية خارجية ومتوالية تستهدف سوريا ومرتكزاته الأساسية، فيظهر موقف إيران ملتزماً بالدفاع عن مواقف سوريا المصيرية, إستجابة لحاجة كل من الطرفين لإضافة قوة جديدة إلى قوته لتعديل موازين القوى في إطار المواجهة التي فرضتها القوى المعادية عليهما، وقد دلت الوقائع على نجاح كبير في إستخدام القوتين معاً في مواجهة الضغوط التي فرضت عليهما, ولا نعتقد أن من مصلحة أي منهما إضعاف هذه القوة أو التسبب في إحداث أي خلل فيها
أنوه الى شئ بخصوص الصراع الإسرائيلي السوري, وهو أن سوريا تصر على عدم الذهاب بمفردها لمواجهة العدو الإسرائيلي أو التفاوض معه, من أجل إسترجاع هضبة الجولان المحتلة دون حليفتها الأساسية إيران، وفي المقابل فإن إيران هي الأخرى لا تجد مبرراً في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية التي تمارس ضدها، دون حليفتها الإستراتيجية سوريا, التي كان لها دور مشهود في تصويب الموقف الإيراني وإزالة الشكوك المصطنعة, وتبديد الإشاعات المغرضة التي تسوّقها أمريكا وإسرائيل حول عسكرة برنامجها النووي, وايجاد الذرائع والمبررات للعدوان عليها وتدمير منشأتها, وتفكيك برنامجها. وقياساً على ماذكرته آنفا أستطيع التأكيد على عدم وجود نية لدى أي من الطرفين في الإستغناء عن هذه العلاقة، أو الرغبة في إضعافها, لاسيما إذا ما أخذنا بالحسبان ميزة البرغماتية في سياسة البلدين, وقدرتهما على صناعة علاقات متميزة مع أوروبا أو غيره مع إستمرارية علاقات البلدين دبلوماسيا وسياسيا لتعزيز جبهة المقاومة على قاعدة عدم تقديم أي تنازلات أمام التهديدات الإسرائيلية أو الضغوط الأمريكية والأوربية.
وختاما ماهى الأسس والروابط التي تقوم على أساسها العلاقات بين البلدين؟ الإجابة هى الطبيعة الطائفية للنظامين بالرغم من تكفير المذهب الجعفري للطائفة العلوية الحاكمة في سوريا, وكذلك إشتداد الصراع بين الإخوان المسلمين ونظام البعث في سوريا, وقبول نظام البعث في العراق بلجوء الإخوان المسلمين إليه هروبا من جحيم المخابرات والنظام السوري الظالم في أحداث حماه خاصة سنة 1982 على قاعدة (عدو عدوي صديقي), ورفض إيران فرار الإخوان المسلمين من نظام حافظ الأسد الغادر ومخابراته الظالمة في سوريا, كذلك علاقة العداء التي كانت مستفحلة بين نظام البعث العلوي في سوريا والنظام العشائري في عهد صدام حسين بالعراق, إضافة الى حرص إيران على أكثر رسوخ لأقدامها في المنطقة من خلال علاقات أوثق بأي نظام عربي على طريقتيها، ووفق ما تتحقق به أهدافهما القومية، إضافة إلى ما لها من إصرار على إظهار جعل القضية الفلسطينية في أولى اهتماماتها الإعلامية.
وبذلك ظلت العلاقات الإيرانية السورية على هذه الأسس ولهذه الإعتبارات تزداد قوة ومتانة، حتى وصلت إلى علاقة إستراتيجية قد لا يستطيع النظام السوري الحافظى البشارى الفاسد منها فكاكا وإن أراد ذلك، وإن كان له مصلحة في ذلك ذات يوم، لاسيما وأن هذه العلاقة على هذه الأسس ولهذه الإعتبارات زادتها العلاقات الدبلوماسية والسياسية والإقتصادية قوة وصلابة. إذن فهل سيظل موقف إيران ثابتا من الوحشية والهمجية التي يمارسها نظام النشار بشار؟ وماهو موقف إيران وسوريا من هجوم رئيس مصر الدكتور مرسي على سوريا في عقر دار حليفتها؟ ولماذا قامت إيران بالترجمة الخاطئة لكلام رئيس مصر في مؤتمر طهران؟ وهل هذا التحالف سيكون بمثابة التدبير الفاشل لإنقاذ نظام الديكتاتور بشار الأسد؟ أم سيكون بمثابة تدمير شعب سوريا الحر؟ وهل هذه العلاقة بين البلدين تدبير أم تدمير؟ ..النصر للثورة السورية.. والتأييد للثوار.. وعاش الشعب السوري حرا مستقلا. [email protected]