«جعجعة بلا طحين».. هذا ما ينطبق على حال الحكومة فى موقفها من قرار غلق المحال مساء، الذى تراجعت عنه بشكل مثير للغرابة والسخرية والدهشة، بعد أن استأسدت على لسان بعض وزرائها وقام واحد منهم، وهو اللواء أحمد زكى عابدين وزير التنمية المحلية بالتعامل باستعلاء وغرور وبأسلوب خال من اللياقة والمسؤولية مع وسائل الإعلام، وقام بغلق الهاتف فى وجه مقدمة إحدى البرامج الفضائية. حالة من الارتباك سيطرت على الحكومة والرئاسة بخصوص القرار ففى الوقت الذى أعلن فيه الدكتور ياسر على، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، أن قرار غلق المحلات فى العاشرة مساء سينفَّذ بدءا من ديسمبر المقبل. وأوضح علِى فى مؤتمر صحفى بعد ظهر اليوم بقصر الاتحادية أن الحكومة استجابت لنداءات الغرف التجارية وأصحاب المحلات لعمل حوار، والقرار مبنى على المصلحة العامة، وإذا كانت هناك بعض الأمور تحتاج إلى نقاش فالحكومة أعطت فرصة للحوار والنقاش.
أعلنت الحكومة أنها قد تراجعت عن موقفها بتفعيل قرار غلق المحال التجارية فى العاشرة مساء، وأصدرت بيانا تفصيليا (لحفظ ماء الوجه) حول اتفاق تم توقيعه مع الغرف التجارية على تعديل هذا الميعاد وتأخيره إلى ما بعد منتصف الليل مع وجود استثناءات عديدة، وينص الاتفاق على تطبيق القرار بشكل تدريجى، على أن يبدأ التنفيذ من أول ديسمبر 2012 حتى 31 أبريل 2013، وهو ما يعنى إفراغ القرار بالكامل من مضمونه وإعادة تفصيله وبقدر كبير من الاستثناءات التى تجعله كأنه لم يكن، أو بغير ذى فاعلية أو نتائج حقيقية، يمكن أن تصب فى هدف الترشيد والتنظيم الذى أعلنته الحكومة.
وإزاء حالة الضغوط التى مورست على الحكومة من قبل القوى السياسية والباعة الجائلين الذين انضموا إلى اتحاد الغرف التجارية فى تحالف غير معلن، وكذلك الرأى العام الشعبى المناهض للقرار، نص الاتفاق الموقّع بين الحكومة والغرف التجارية على الجدول التفصيلى لمراحل تنفيذ الاتفاق الذى يتضمن تحديد النطاق الجغرافى (مدينة أو قرية) والموعد الزمنى، الذى يتم التعامل على أساسه فى تحديد المواعيد المقررة مع المحال التجارية، وكذلك التعامل مع المحال العامة من مطاعم وكافيتريات ومقاهٍ، وتحديد معاملة مختلفة للصيدليات ومحطات البنزين، مع وضع بند خاص باسم «الورش المقلقة للراحة»، مستثنى منها محال إصلاح الإطارات، وقد نص الاتفاق على أن المواعيد ستكون حرة للمحال التجارية والعامة أيام الخميس والجمعة والعطلات الرسمية والأوكازيون.
الاتفاق تراجع عن موعد غلق المطاعم والمحلات والمقاهى فى الساعة العاشرة مساء، والذى كانت قد أعلنت عنه الحكومة سابقا، وتم مد موعد الغلق إلى الساعة 2 صباحا، مع السماح بمد الموعد بالبيع المباشر دون جلوس الزبائن «تيك آوى»، وكذا السماح بخدمة التوصيل «الديليفرى»، وحدد الاتفاق أن يتم البدء فى خفض الإضاءة الخارجية وإطفاء الأضواء المبهرة من الساعة 12 مساء قبل الإغلاق التام فى الساعة الثانية صباحا.
الاتفاق لم يفرق فى ذلك فى ما يتعلق بالمطاعم والكافيتريات والمقاهى فى القرى والمدن على خلاف ما تضمنه بخصوص المحال التجارية، حيث فرقت الحكومة ما بين المحال التجارية التى تعمل فى القرى وتلك التى فى المدن، وحددت للمحال التجارية فى القرى إلزامها بالبدء فى خفض الإضاءة الخارجية وإطفاء الأضواء المبهرة من الساعة التاسعة مساء، على أن تقوم بالإغلاق التام فى الحادية عشرة مساء، وتركت ساعة للمدن فحددت لها أن تبدأ فى خفض الإضاءة الساعة العاشرة مساء على أن تغلق فى الثانية عشرة مساء.
الحكومة وضعت هذا الفرق أيضا ما بين القرى والمدن بالنسبة للصيدليات ومحطات البنزين، حيث حدد للصيدليات ومحطات البنزين مواعيد لخفض الإضاءة الخارجية وإطفاء الأضواء المبهرة، بحيث تكون فى الساعة التاسعة مساء بالنسبة للقرى والعاشرة مساء بالنسبة للمدن، بينما لم تحدد موعدا للغلق. كما تضمن الاتفاق تحديد الساعة التاسعة مساء موعدا لغلق ما سمته «الورش المقلقة للراحة» ماعدا محال إصلاح الإطارات.
الاتفاق نص أيضا على أن يتم تبكير الإغلاق ساعة، بدءا من 1/1/2013 حتى 31/4/2013، وأن يتم البدء الفورى فى دراسة المواعيد المناسبة لفصل الصيف ومراعاة خصوصيته وظروف النشاط التجارى.
وبذلك تنتهى معركة إغلاق المحلات فى العاشرة مساء، والتى قادها أحمد زكى عابدين وزير التنمية المحلية، وانضم إليها حاتم صالح وزير الصناعة والتجارة الخارجية متأخرا، بانتصار ساحق للضغط الشعبى، وهى المعركة التى مارس خلالها الاتحاد العام للغرف التجارية ضغوطا واسعة لرفض القرار، إضافة إلى قطاعات واسعة من الشعب المصرى، ولتسجل الحكومة إخفاقا ذريعا جديدا وحتى إشعار آخر!