حسابات جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة، تختلف بلا شك عن إجراء انتخابات برلمانية جديدة، في هذا التوقيت بالذات.. ربما ذلك ما يبرر «حالة الرعب»، التى تجتاح جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، حاليا، على أثر حكم المحكمة الإدارية العليا النافذ، بتأييد بطلان مجلس الشعب برمّته، في ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر فى هذا الشأن، منتصف يونيو الماضي. الجماعة، وفق مصادر متعددة قريبة منها، وحسب ما تعكسه تصريحات قادتها وكوادرها، تعيش حالة من التوتر الشديد، بعدما باتت مجبَرة على خوض اختبار حول شعبيتها في الشارع، مرة أخرى، وخشية أن تتأثر هيمنتها على مقاعد البرلمان بسلسلة الأخطاء والسقطات السياسية التي ارتكبتها طيلة ال18 شهرًا التى تلت زوال نظام مبارك. بينما تظل صدمة الخمسة ملايين صوت التى نالها مرشحها للرئاسة، الدكتور محمد مرسي، في الجولة الأولى للانتخابات، وبانخفاض بلغ نفس عدد تلك الأصوات تقريبًا، عما نالته الجماعة في انتخابات البرلمان، حاضرة فى ذهن مكتب إرشادها، ولِمَ لا وفوز مرشحها واعتلائه كرسى الحكم، في جولة الحسم، لم يكن ليتحقق، لولا أن منافسه كان الفريق أحمد شفيق، آخر رؤساء وزراء المخلوع، ومن اشتعلت فى عهده القصير جدا، موقعة الجمل. بالقطع لا تملك الجماعة وحزبها، نفس شجاعة وثقة وخبرة النسخة الإخوانية التركية، حزب العدالة والتنمية، الذي لم يكن يتردد في تقديم مواعيد الانتخابات العامة، وكذا طرح الاستفتاءات على تعديلاته الدستورية، كلما تعاظمت أصوات المعارضة ضده، طيلة السنوات العشر الأخيرة، مما مكنه من إرث تركة أتاتورك العلمانية، منفردا، رغم كونه حزبًا إسلاميا محافظًا، في ثلاث دورات متتالية، في حدث فريد من نوعه في تركيا. لكن فى المقابل، حاول إخوان مصر بشتى الطرق الهرب من معركة الانتخابات، وسلكوا كل السبل القانونية، للىّ ذراع حكم المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان. فبعدما تبددت آمال الرئيس فى دعوة المجلس للانعقاد مجددًا، إلى حين إجراء انتخابات جديدة، تبارى مستشاروه، وقيادات الجماعة، ومسؤولو حزب الحرية والعدالة، وفريقهما القانونى، فى تداخل واختلاط فَجّ لمصالح الإخوان وسياسات مؤسسة الرئاسة، فى استباق أحكام القضاء، والتبشير بعودة مجلس الشعب المنحل مجددًا، والترويج لأسانيد وحجج قانونية تتعدى بشكل سافر على حكم المحكمة الأعلى فى مصر، فضلًا عن حملة التشويه والهجوم التى مورست على قضاة «الدستورية»، ونالت المستشارة تهانى الجبالى النصيب الأكبر منها، باتهامات من شاكلة تسييس الأحكام، ومعاونة العسكر على تعطيل نقل السلطة، وتجاوز الاختصاصات القضائية، وما شابه، وجميعها اتهامات تكسرت فى حيثيات حكم المحكمة الإدارية العليا الأخير، الذى قطع بأن حجية أحكام المحكمة الدستورية العليا، مطلقة فى مواجهة كل سلطات الدولة وهيئاتها القضائية الأخرى. إذن لماذا تخشى الجماعة صندوق الانتخابات إلى هذا الحد؟ الإجابة ببساطة تتعلق بفاتورة تلك الانتخابات، فحسب تصريحات رسمية للحكومة، فإن تكلفة انتخابات البرلمان والرئاسة الأخيرة، بلغت نحو مليار و900 مليون جنيه، فى حين قطعت بعض التقديرات غير الرسمية، بأن التكلفة الفعلية، إذا ما أُضيفت المصروفات والتبعات الإدارية غير المباشرة، تتراوح ما بين 4 و6 مليارات، كما أن الإخوان من جانبهم، ووفق بعض التسريبات، أنفقوا مئات الملايين (ما بين 200 و500 مليون جنيه) على الانتخابات التشريعية والرئاسية، حتى إنهم وحسب قيادة وسيطة فى الجماعة، لم يعد لديهم سيولة، حتى إنهم لجؤوا إلى أموال صناديق التكافل الاجتماعى الخاصة بالشعب والأقسام، والتى يُجتزأ منها قدر بسيط من الاشتراك الشهرى لكل عضو بالجماعة، من أجل حالات الطوارئ مثل الزواج والمرض، وغير ذلك. وعليه فإن أى انتخابات جديدة تعنى أن الجماعة فى حاجة إلى نفس تلك الأموال مجددًا، وربما أزيَد منها مع اتساع دائرة المنافسة مع القوى والتيارات السياسية الأخرى، فضلًا عن أن الإخوان، وفى ظل رغبتهم المحمومة فى الانفراد بالحكومة، يعون أن أى انتخابات جديدة، إلى جانب الاستفتاء المنتظر على الدستور الجديد، سيكلف موازنة الدولة التى تعاني عجزًا بنحو 138 مليار جنيه، مبالغ ضخمة، ومن ثم سيهدر جزءًا كبيرًا من قرض صندوق النقض الدولى، البالغ 4.8 مليار دولار، إذا ما حصلت عليه مصر، والذى تُمنِّى الجماعة نفسها، أن يعينها على قيادة البلاد. ومن المعروف أن شعب الجماعة ومكاتبها الإدارية، وأمانات حزبها، تتحول فى أوقات الاستحقاقات والمعارك الانتخابية، إلى كيان انتخابى ضخم، بينما يتفرغ الأعضاء للدعاية ومهام الانتخابات، تاركين أشغالهم. لكن الأيام القليلة الماضية شهدت حالة من التذمر من قبل شرائح المهنيين فى الإخوان، خشية أن ينشغلوا عن أعمالهم الخاصة بسبب أى انتخابات جديدة، فى حين أعلم بعضهم بالفعل قياداته، أنه لن يستطيع ترك أعماله التى يتكسب منها، مثلما حدث طيلة ستة أشهر فصلت بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. مشكلة أخرى تواجه الإخوان، تتعلق بكم الكيانات الحزبية والتحالفات السياسية الجديدة، سواء كانت ليبرالية ومدنية، أو كانت بمرجعية دينية، والتى ظهرت بقوة على السطح خلال الشهرين الماضيين، بينما ظهر على رأسها أسماء على شاكلة، الدكتور محمد البرادعى، وحمدين صباحى، وعمرو موسى، وعبد المنعم أبو الفتوح، وحازم صلاح أبو إسماعيل، وغيرهم، ناهيك بإعلان حلفاء الجماعة فى السابق، حزب النور السلفى، والجماعة الإسلامية بحزبها البناء والتنمية، التمرد على هيمنتها، وعدم اللعب فى فريقها مجددًا، مما ينذر بخسائر كبيرة منتظرة للإخوان فى أقرب استحقاق انتخابى مقبل، وساعتها لن يكون هناك مجال للحديث عن أغلبية، أو المطالبة بتشكيل منفرد للحكومة، أو التدخل على هذا النحو فى إعادة تشكيل مؤسسات الدولة، وتطويعها إخوانيًّا. إعلان وفاة مجلس الشعب نهائيا، يزيد الشكوك حول عوار تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، والمطعون أصلًا فى شرعيتها، الأمر الذى يهدد التوافق على المنتج الذى ينتظر أن يصدر عنها، ناهيك بأن تأييد «الإدارية العليا»، «الدستورية العليا»، فوّت على جماعة الإخوان، تأسيس مبادئ قانونية جديدة، تمكّن الجماعة من الاستناد إليها فى أى معارك قضائية أخرى كتلك التى تتعلق بشرعية وجودها، أو تداخل الدينى بالسياسى فى عملها، وما شابه، بينما لا يخفى على أحد أن الجماعة كانت تمنّى نفسها، بضرب عدة عصافير بحجر واحد ومن ثم يعود البرلمان، وتعلن هزيمة «قطعية أحكام» المحكمة الدستورية العليا، ناهيك بصدور أى حكم من «الإدارية العليا»، بعودة مجلس الشعب المنحل، حتى لو لم ينفذ، كان سيمنح مبررًا أخلاقيا وقانونيا للرئيس، لإصدار قرار جمهورى، بدعوة المجلس للانعقاد مجددًا، وتفويضه صلاحياته التشريعية، لحين انتخاب برلمان جديد. خسرت الجماعة معركة عودة البرلمان فى المحكمة، فهل يمكنها الولوج إليه مجددًا، والسيطرة عليه مرة أخرى، عبر صندوق الانتخابات؟ سؤال ينتظر الأيام القادمة لتجيب عنه.