اكتشفت مؤخرا أن الحديث عن أي مسئول في التليفزيون المصري هو أمر يشبه المساس بالذات الإلهية.. وأصل الحكاية أنني كنت ضيفاً علي برنامج وليد تقدمه القناة الثانية اسمه «يسعد صباحك» وقد عرض علي رئيس تحرير البرنامج أن أكون ضيفه كل يوم جمعة وأبديت موافقتي علي أن أتمتع بكامل حريتي في الكلام، وحدث ترحيب من الجانب الآخر، وفي اليوم الأول سألوني عن السحابة السوداء، وقلت إن وجود وزير للبيئة مهمته الأولي والأسمي هي محاربة التلوث ولكن بسم الله ما شاء الله السحابة نمت وترعرعت في ظل وجود السيد الوزير، ولأن مهمة الوزير تنحصر في محاربة كل ما يسييء إلي صحة المصريين فإنني أري أن معالي الوزير موجود في منصبه والسحابة بدورها تتضخم وتكبر وتنمو، وهكذا فإننا أمام وضع ينبغي أن نجد له إما القبول بالسحابة.. وانسحاب الوزير أو بقاء الوزير والقضاء علي السحابة.. والشيء الغريب أنهم طلبوني في الأسبوع التالي وقاموا بطرح مسألة خسارة فاروق حسني للمنصب الدولي الرفيع في منظمة اليونسكو يومها فتحت علي الرابع وبكل الصراحة اللي في زماننا قليلة استعرضت كل الكلام الذي كتبوه في الصحف البريطانية حول فاروق حسني من أول الموظفين الذين قدموا للنيابة إلي اعتراض الولاياتالمتحدة علي شخصه إلي وقوف جميع الدول الأوروبية خلف الخصم وأضفت.. لو أن مصر لم تعاند وأرسلت بشخصية لها سمعتها علي مستوي العالم وهو الدكتور زاهي حواس لربما تغيرت الأمور.. ولكنني اكتشفت بالفعل أن أمورا تغيرت ولكنها لا تخص فاروق حسني ولا اليونسكو ولا شيئاً من هذا القبيل فالذي تغير هو أنني أصبحت علي قائمة طويلة عريضة من الشخصيات الممنوعة من الظهور علي الهواء أي في البرامج التي تبث مباشرة علي الهواء، والسؤال الآن: إذا كان الكلام المنطقي غير مسموح به في تليفزيون بلادنا وأحدد القنوات المحلية والفضائية المصرية الخاضعة مباشرة للسيد وزير الإعلام.. فكيف بالله عليكم سوف تنافسون المحطات السابحة في الفضاء إن سقف الحرية أيها السادة أصبح لا حدود له والناس تتناول مشاكل أهل مصر ومصائب أهل مصر والكوارث التي تحط علي رءوس المصريين بكل حرية، بل أجزم أيضا بكل بجاحة وعندكم المثل والقدوة في قناة الجزيرة القطرية.. في الوقت الذي يمارس فيه الإعلام الخاص حرية لا بأس بها في محطات «دريم» و«الأوربت» و«المحور» ولكن التليفزيون المصري لا تزال تحكمه عقلية الرقيب أيام الستينيات حيث المقص والقلم الأحمر يطال أي كلمة أو شاردة أو واردة تتعلق بمسئول حتي لو كان هذا المسئول.. مسئولا عن حي أو محطة كهرباء أو هيئة نقل عام.. وعندما أستعرض عدد العاملين والفنيين الموجودين داخل أروقة التليفزيون المصري أجدهم يصلون إلي أكثر من أربعين ألفاً.. طيب يا معالي وزير الإعلام هل يعقل أن نقود هذا الجيش الجرار من الموظفين والفنيين من أجل بث التفاهات ونقل النفاق إلي مستحقيه من المسئولين في الدولة.. بالطبع هذا الحال لا يستقيم في ظل السماوات المفتوحة حيث كل مواطن معه ريموت كنترول ويستطيع أن يلغي إعلام سعادتك بالضغط علي ذر ولا أخفيك القول إن أغلب أهل مصر حتي البسطاء منهم يشتركون في الوصلات بمبلغ عشرين جنيهاً مصرياً، ولو أن الإعلام المصري بخير لما نجا هؤلاء إلي طلب الوصل مع الآخرين.. وبكل الصراحة يا معالي الوزير أحب أطمن سعادتك أن مثل هذا الإعلام سوف يجر مصر إلي الوراء وربما يخرجها تماما من أحد أهم وسائل التأثير في عالمنا العربي.. ولك أن تذكر يا معالي الوزير أن مصر أيام المرحلة الناصرية استطاعت من خلال ميكروفون «صوت العرب» أن تصبح عاصمة للعالم العربي بأسره وكانت محط السمع والنظر.. ليس بخطب جمال عبد الناصر وحده ولكن بالتوجه والرؤيا والنظرة البعيدة للأمور، وصدقني يا عم أنس الفقي لو استمر الحال علي ما هو عليه وكان الهدف من برنامج مثل «يسعد صباحك» أن نسعد صباح السيد المحافظ والسيد مدير الأمن والسيد الوزير والسيد الغفير فإن الإعلام المصري سوف يضيع في الكازوزة لأن مشاهدي مثل هذه البرامج سيكونون هم أنفسهم هؤلاء السيد الوزير والسيد المحافظ ولا أحد سواهم، وإذا كان «يسعد صباحك» سيسعد هؤلاء وبالتالي ستحل السعادة علي معاليك.. فقل علي الإعلام المصري في عهدكم الميمون السلام طالما أن سعادة الفقي هي قمة المني ومنتهي الأحلام.. ويا شعب مصر. لا تفرح!!