لا أعرف على وجه الدقة ماذا دار فى الاجتماع الذى جرى بين الفنانين ود.مرسى، لأن اللقاء بدأ بعد الواحدة ظهر أمس، وغالبا سوف يستمر حتى الرابعة أو الخامسة. المؤكد أن ما دفع الرئيس إلى المسارعة بتحديد توقيت الاجتماع هو تلك الحالة من الاستنفار التى بات عليها الوسط الفنى فى مصر بعد السفالات والبذاءات التى تَفوّه بها أحد مقدمى البرامج ضد عدد من الفنانين، وكانت إلهام شاهين هى صاحبة الصوت الأعلى فى فضح من يطلقون عليه داعية، الذى لا يجوز فى حقيقة الأمر أن نحسبه، لا على الإسلام ولا أى دين آخر. فلا يمكن أن نتصور دينًا يسمح بأن نهين أعراض الناس.. لجوء إلهام شاهين إلى القضاء سوف يردع هؤلاء الذين يملؤون الفضائيات وعددا من دور الصحف بكل هذا الغثاء. إلهام اعتذرت عن اللقاء، وأتمنى أن لا ينتظر الفنانون كلمتين من مرسى يعضّد فيهما موقف الفنانين متضامنا معهم، وعلى الفنانين -أو أتمنى أن يكون ذلك بالتأكيد هو ما حدث- أن يفتحوا النيران، لا على الداعية الذى أعتبره حدثا عابرا، ولكن على الدور الذى يلعبه الرئيس فى أخونة الدولة. هل تتصورون أن الرئيس لديه قناعة حقيقية بالفن ودوره؟ أشك كثيرا فى امتلاكه ذائقة فنية، فلم يقل يوما إنه يستمع مثلا إلى أم كلثوم.. أغلب من ينتمون إلى تنظيم الإخوان يبيحون الفن بشروط، وأتصور د.مرسى من بينهم، يكررون ما كان يقوله الشيخ الشعراوى وهو أن الفن مثل الإناء قد تضع فيه شيئا حلالا فيصبح حلالا بلالا وقد تضع فيه ما هو حرام ليصبح حراما بيِّنا.. الرئيس يميل إلى هذا الرأى الذى يحيل فى النهاية الفن إلى المعيار الدينى الذى يجافى روح الفن، بينما القيم الجمالية التى فى عمقها لا تتناقض مع الأديان هى التى ينبغى أن نُخضِع لها الفنون. المرة الوحيدة التى استمعت فيها إلى الرئيس يتحدث عن الفن عندما سأله عماد أديب قبل الانتخابات الرئاسية بأربع وعشرين ساعة عن موقفه من الإبداع والفن، أجاب بنفس الكلمة التى صارت نموذجية، وهى أنه مع الفن الهادف، وهو رأى لا يسمن ولا يغنى من جوع، كأن الرئيس يغشّ الإجابة من ورقة اللى جنبه، فهى تريح من يريدون خنق الفنون، لأنها تضع خط رجعة، وهو الهدف، وفى نفس الوقت يبدو ظاهريا أنها تناصر الفن والإبداع. إجابة صارت كليشيها، أعتقد أن مرسى كررها كثيرا فى لقائه مع الفنانين ظهر أمس ليهرب من تقديم رأى قاطع. الأسوأ أن قطاعا وافرا من الفنانين لديه نفس القناعة، وهى حكاية الفن الهادف، الخدعة التى يتم تصديرها وترويجها. الفنانون أتمنى أن تكون لديهم القدرة على الوصول إلى وعود بإصدار قوانين من أجل ضمان حرية التعبير.. فى مجتمعنا تبدو كل طرق الإبداع وهى تؤدى لا محالة إلى الرقابة. يجب إلغاء هذا الكيان الديناصورى الذى كان فقط لا يعنيه سوى أن يُرضِى السلطة، وفى نفس الوقت يصدّر للمجتمع كذبا أنه يحميه.. لو عدت إلى الرقابة فى عهد المخلوع فسوف تكتشف أن نفس هذه المفردات تتكرر وهى أن الرقابة تحمى المجتمع، والحقيقة هى أن التعليمات الصارمة مثلا كانت عدم الاقتراب فى الأعمال الفنية من قضية التوريث ولا فساد مبارك، وكان العديد من السيناريوهات يذهب أولا إلى وزارة الداخلية قبل تصويره! أتمنى أن يكون الفنانون قد وصلوا إلى الذروة فى لقائهم مع رئيس الجمهورية، وهى أن المطلوب إنشاء هيئة مستقلة عن الدولة منوطة بها متابعة الأعمال الفنية وتنظيم العروض، تحمى المجتمع وتحمى الإبداع من سطوة الدولة. كانت الرقابة تتصور أن حماية النظام العام -وهو واحد من مبادئ الرقابة- تعنى حماية رأس النظام لا حماية حقوق الشعب، ومثلا كلمة الرئيس كانت تحاط بأكبر قدر من القدسية حتى إن فيلما مثل «الريس عمر حرب» كان اسمه فى البداية «الريس»، أصرّت الرقابة أن تضيف إليه «عمر حرب»، وكان هناك فيلم اسمه ظاظا رئيس جمهورية، أصرت الرقابة على أن يُكتفى فى العنوان ب«ظاظا». هل سينجح الفنانون والمثقفون الذين التقوا الرئيس اليوم فى انتزاع حقوقهم أم أن الدولة اختارتهم على الفرازة ليصبحوا ديكورا لتجميل صورة الرئيس؟ فاصل ونعود.