لأول مرة فى الجناح المصرى بمهرجان «كان» يتم الإعلان عن أربعة مهرجانات تقام تباعا فى مصر، مهرجان «الإسماعيلية» الشهر القادم، ثم «الأقصر» للسينما الأوروبية فى سبتمبر، يعقبه مهرجان «القاهرة» السينمائى الدولى الذى يفتتح يوم 27 نوفمبر، وهو عنوان المهرجانات السينمائية المصرية، حيث يترقبه العديد من السينمائيين فى مصر، وينتظره أيضا بعد غياب عام كل المهتمين بشؤون السينما فى العالم، خصوصا بعد أن تم إنشاء مؤسسة جديدة رأسها الناقد والإعلامى الكبير يوسف شريف رزق الله، وسوف يصدر الاتحاد الدولى للمنتجين خلال هذه الأيام بيانا لدعم المهرجان، وبعد ذلك يأتى مهرجان «الأقصر» للسينما الإفريقية الذى يعقد فى شهر فبراير دورته الثانية، ومن المنتظر أيضا أن يقام مهرجان «الإسكندرية» فى شهر أكتوبر. السؤال الذى يتردد بإلحاح، هل حقا ستعقد هذه المهرجانات فى ظل حكم إسلامى يترقبه الكثيرون من الآن حتى بعيدا عن حسم معركة كرسى رئيس الجمهورية، حيث إن ما نشاهده على أرض الواقع يثير بعض المخاوف من أن تتغير ملامح مصر الثقافية.
هذا السؤال يتردد بكل اللغات العالمية، وأيضا بكل اللهجات العربية، الإجابة التى لا أرضى بغيرها بديلا هى أن مصر ستظل هى مصر، لن يستطيع أحد أن يطمس الهوية التى تُغلف روحها.. مصر الوسطية فى تدينها بمسلميها وأقباطها، والتى عرفت التوحيد قبل نزول الرسالات السماوية، لا أتصور أنها من الممكن أن تسيطر عليها قيود تخنق روحها لتعيش تحت فكر لا يرى سوى أن الفن رجس من عمل الشيطان.
يعتقد البعض أن السينما تحديدا هى مصنع الرذيلة، وأن الأفلام والمهرجانات على وجه الخصوص، هى العنوان الذى تنضوى تحته كل أنواع الفساد. لماذا يبدو الأمر دائما متعلقا فقط بالمشاهد الجنسية والعاطفية، تشعر وكأن الأمر فقط الذى يشغلهم ليس إنعاش البلد اقتصاديا وحمايتها أمنيا، ولكن كيف تبدو النساء فى الفيلم والمسلسل والأغنية. لو ألقيت نظرة على العالم العربى وكيف تتعامل الرقابة فى تلك الدول مع المهرجانات، ستكتشف أن دول الخليج مثلا تسمح بهامش أكثر مما توافق عليه الرقابة فى مصر، رغم أن هذه المجتمعات أكثر تحفظا، ولكنها تمنح سماحة رقابية مع الأعمال الفنية.
من المؤكد أن هناك معركة شرسة قادمة مهما كان اسم الفائز فى معركة الرئاسة، نعم التيار الإسلامى بوجهيه، سواء كان محمد مرسى أو عبد المنعم الفتوح لديه تحفظاته، وبالتأكيد مرسى أكثر تشددا، بينما آراء أبو الفتوح المعلَنة كعادته تفتح الباب أمام كل الاحتمالات، سواء الداعية إلى تحرير الفن أو تقييده.. على الجانب الآخر حمدين صباحى وهو أكثرهم انحيازا للفن ولحرية الإبداع.. ويبقى أحمد شفيق وعمرو موسى، وهما امتداد للنظام السابق فى كل شىء، حتى فى علاقتهما بالفن سيبقى الأمر كما كان عليه قبل الثورة.
دعنا نذهب إلى أقصى الاحتمالات، اعتلاء كرسى الرئاسة للتيار الإسلامى، سواء مرسى أو أبو الفتوح، هل من الممكن أن يُصدر أى من الرئيسين قرارا ملزما بإغلاق الباب بالضبة والمفتاح، وأن تتحول الرقابة إلى قيد يبطش، ويُخضع كل شىء لمعيار دينى صارم نسمعه الآن يردد تلك العبارة التى صارت «كليشيه» وهى «حلاله حلال وحرامه حرام».
فى تونس يستعدون لمهرجان «قرطاج» فى أول دورة تعقد بعد الثورة التى فتحت الباب على مصراعيه لكل الثورات العربية، وكان يحركها بيت الشعر لأبى القاسم الشابى «إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر».. لا أعتقد أن ثورة تبدأ ببيت شعر يرفضه الكثير من المتزمتين الإسلاميين الذين يرون فى مقطع «يستجيب القدر» جنوحا غير مقبول. هذه الثورة لا أتصورها من الممكن أن تضع محاذير رغم سيطرة الحزب الإسلامى على الحكم، ولكنه لم يفرض قيودا على الإبداع.. حتى وزير الثقافة التونسى صاحب عبارة «على جثتى» التى قرر من خلالها أن يمنع عددا من المطربات مثل نانسى وإليسا وشيرين، من الاشتراك فى مهرجان «قرطاج» الغنائى، عاد واعتذر عن تلك الكلمة.
لا أتصور أن هناك خطورة ما تواجهه المهرجانات الفنية فى بلدان الربيع العربى ومصر تحديدا، مهما كان اسم الرئيس، ولكن سيظل دائما أن الفنانين والمثقفين هم فقط الذين يملكون العصمة فى أياديهم، إما أن يستسلموا وإما أن يقاوموا