صدفة أن تقرأ لكل من عمر الشريف وفاتن حمامة فى نفس الوقت رأيين عن مصر التى تترقب رئيسها القادم، وكالعادة فاتن لا تعلن رأيها الصريح، ولكن كل ما تشير إليه عن مواصفات الرئيس يشير إلى أنها ستمنح صوتها لشفيق الذى يستشعر الوسط الفنى والثقافى أنه نصير الحرية رغم أن الحقيقة ليست كذلك على الإطلاق. عمر، كالعادة هو الأكثر صراحة ومباشرة، ولهذا تعلن إيناس بكر مديرة أعماله، أنه لن يعود إلى مصر فى حالة فوز المرشح الإسلامى محمد مرسى، وعلينا أن لا نعتبر هذا الأمر مجرد فنان يخشى على نفسه من أن تطوله اتهامات الجماعات الإسلامية. عمر لا يعبر فقط عن عمر، ولكن عشرات من المثقفين والمبدعين كانوا يرددون ذلك حتى فى أثناء حكم مبارك، وكثيرًا ما استند بقاء مبارك فى السلطة إلى فزاعة الإخوان ليصبح الإبداع مرهونًا ببقائه فى السلطة. خطاب الإخوان بعد الثورة غير مطمئن، فهو يزيد المخاوف، وأهم من ذلك الممارسات التى وجدناهم يبيعون فيها الثورة فى لحظات وينبغى أن نلاحظ أن عبد المنعم أبو الفتوح المعبر عن الوجه المعتدل للإسلام لم يحصل سوى على المركز الرابع فقط فى انتخابات الرئاسة، لأن الناس لم يصدقوا الإسلاميين حتى عندما يبدون التسامح والسماحة. سبق وأن قلت إذا كان الإخوان لا يمكن أن تنتعش الحرية تحت سقفهم فإن شفيق الذى يدّعى كذبًا أنه يمثل الدولة المدنية لا يمكن أن تعتبره مدنيًّا لا هو ولا دولته، بل هى دولة عسكرية بمذاق بوليسى.. لن يسمح شفيق إلا بالانتقام من الثورة والثوار، تلك هى قضيته الأولى، وتستطيع أن ترى أن الوجه الآخر لها هو أن تتم تبرئة مبارك ورجاله من كل الاتهامات وكل الخلايا النائمة التى ابتعدت الآن عن الصورة تتحين تلك الفرصة للعودة تحت حماية شفيق وعدد ممن يعتلون المنافذ الإعلامية بدؤوا فى إعلان ولائهم لشفيق حتى يعيد إليهم كرامتهم المهنية الضائعة.. تستطيع أن ترى الفرحة تطل من عيونهم ولسان حالهم يقول باقى ع الحلو دقة. شفيق سيعود وهو يحمل بداخله رغبة عارمة لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 25 يناير، وأول ما سيضع قبضته عليه هو الرقابة ويستطيع ببساطة أن يحمى سكان طرة من أن يطولهم أى انتقاد، بل إنه من الممكن أن يحيلهم دراميًّا إلى ضحايا، والمأزق أن البديل الإسلامى يعتقد أن الإسلام هو اللحية والحجاب والنقاب والجلباب وأنه ينتعش مع إغلاق كل منافذ التعبير. عندما تذهب إلى دار الأوبرا تكتشف أن الخوف يسكن الجميع ويردد الناس: هذا هو العرض الأخير فهل من الممكن أن نشاهد ضمن عروض الأوبرا «باليه إسلامى»؟.. التيار المتزمت يحدد مثلًا الشروط السبعة للعمل الفنى أو مقولة حلاله حلال وحرامه حرام أو شعار الفن الهادف، وكلها وجوه لتعبير واحد لا يتغير، وهو أنهم يريدون أن يُخضعوا الفن لرقابة دينية صارمة، ولهذا فلم يكن عمر الشريف هو فقط الذى قال إنه لن يبقى فى مصر لو اعتلى الإخوان كرسى الرئاسة، ولكن عمار الشريعى قال قبل عدة أشهر إنه يقرأ الفاتحة على روح الفن.. من حق المبدع أن يخاف على نفسه وفنه ولكن الدفاع عن الحرية يصطدم بحاجز وهو الناس، ما الذى يريده الناس من الفن؟ التجربة أثبتت أن الناس كانت تعترض على أعمال فنية توافق عليها الرقابة أى أن الناس مهيّأة لممارسة قيود على الفن أحيانًا أكثر من الدولة، ولهذا ينبغى أن يكتسب المبدعون إلى صفهم الجمهور الذى يرى أن الفن مجرد عُرى وجنس وكثيرًا ما يطالب الرقابة بالتدخل.. هذه هى المعركة الحقيقية، أن يستميلوا إلى صفهم رجل الشارع ليصبح هو المدافع عن الفن. والحقيقة أن الفنانين يلتبس لدى عدد منهم مفهوم الحرية، ويعتقد بعضهم أن مشهدًا جنسيًّا أو تعاطى مخدرات هو الحرية، ورغم أننى أرفض تدخل مقص الرقيب فى العمل الفنى وأرى تعنتا فى قراءة الأعمال الفنية من قِبل هؤلاء المتزمتين، فإنه لا يمكن أن تصبح الحرية هى هذه المشاهد.. إلا أن التيار الإسلامى على المقابل لم يقدم شيئّا سوى مزيد من الخوف فى النفوس، وهكذا يصبح الحل المتاح هو تذكرة سفر بلا عودة!