أغانيه صارت هى أغانى هذا الزمن، إيقاعه هو إيقاعنا.. كلما ازدادت سنوات غيابه عنا ازداد اقترابًا منا.. أحدثكم عن الموسيقار الكبير محمد فوزى الذى احتفلنا قبل أيام بعيد ميلاده ال«94». يتيح لنا العمل بالصحافة أن نلتقى مع عمالقة الإبداع واقتربت من الكثيرين، ولكن واحدًا فقط تمنيت أن ألتقيه، ومع الأسف قبل أن أبدأ مشوارى فى الصحافة بسنوات كان قد رحل عن عالمنا. أفلامه ال«35» تشعرك بأنك ترى محمد فوزى الإنسان، كل من عرفه أكد ذلك.. خفة دم فوزى فى السينما مثل «ورد الغرام» مع ليلى مراد و«دايمًا معاك» مع فاتن حمامة و«العقل فى إجازة» مع شادية، وغيرها هى نفسها طبيعته فى الحياة.. ألحان فوزى سابقة عصرها، رأى الكل يردده مخضرمون وغير مخضرمين متخصصون أو سميعة والدلالة المؤكدة على صدق هذا الرأى أن أغانيه تتجدد على حناجر مطربى هذه الأيام! أول من لحن للأطفال، أول من أنشأ مصنعا للأسطوانات، أول من أدخل الألوان فى السينما، وغيرها من المجالات التى استحق عنها لقب الأول، ولكننى أضيف واحدة أخرى أنه أول من قدم لحنًا بلا آلات موسيقية أغنية «كلمنى طمنى» يلعب الكورال دور الآلات وكثيرًا ما نستمع إلى حكايات يخاصمها المنطق حول أسباب لجوء فوزى إلى تقديم هذه الأغنية، ولهذا روجوا لقصة خيالية، مفادها أن فوزى ذهب إلى الاستوديو فلم يجد الفرقة، وفى رواية أخرى ساومته الفرقة على الثمن فقرر الاستغناء عنها والاستعانة على الفور بالكورال والكورس لترديد اللزم الموسيقية.. اللحن عندما تستمع إليه يكذب كل ذلك، أولا الكورس منضبط تمامًا وهذا يعنى أن هناك العديد من البروفات تم إجراؤها قبل التسجيل وأيضًا فإن الأداء البشرى لصوت الآلات لا يبدو بديلًا عنها، بل هكذا كتب فوزى اللحن مباشرة بتلك الهمهمات النغمية ولن تستطيع الآلات أن تضيف شيئًا.. إنها مغامرة حسبها فوزى بدقة وبإحساس فنى لا يخطئ وتلك هى العبقرية! محمد فوزى جاء على الخريطة الفنية فى مصر فى مرحلة زمنية فارقة جدا، كان قد سبقه جيل العمالقة زكريا، القصبجى، عبد الوهاب، السنباطى وبعد فوزى بنحو 7 سنوات ظهر جيل الموجى والطويل ثم بليغ.. الجميع يعترفون بأستاذيته، السابقون واللاحقون. مع بليغ حمدى كانت لديه أكثر من حكاية.. استمعت أم كلثوم لأول مرة إلى بليغ فى بيت فوزى، وغنت له «حب إيه»، وبعد ذلك رشحه مرة أخرى لأم كلثوم لكى يلحن لها «أنساك» رغم أنه كان قد لحن المقدمة وهى التى نستمع إليها الآن، ولكن أم كلثوم استعجلته للتنفيذ ولم يكن لديه الوقت فطلب من بليغ إكمال اللحن! لماذا لم يغن عبد الحليم حافظ من تلحين فوزى، رغم ما يجمعهما من صداقة وحب؟! سؤال توجهت به إلى كمال الطويل ومحمد الموجى.. الطويل قال لى إن فوزى يقدم ألحانًا خفيفة تقترب مما يقدمه الملحن منير مراد، ولهذا كان حليم يكتفى بمذاق منير مراد.. الموجى قال إن فوزى عندما يلحن لديه طغيان فى الأداء، وكان عبد الحليم يدرك ذلك ويعرف أنه صاحب منهج مختلف ولهذا لم يلتقيا! فى الحقيقة لم أقتنع بما قاله لى الطويل والموجى، وفى نفس الوقت لم أعثر على إجابة مرضية لسؤالى. أبدع فوزى فى كل الألوان فنحن مثلًا عندما نشعر بأى خطر يواجه وطننا نردد «بلدى أحببتك يا بلدى» وعندما نريد مداعبة طفل نغنى له «ماما زمانها جاية» وعندما نشعر بالافتقاد نردد من ألحانه للمطربة نازك «كل دقة فى قلبى» وعندما يستبد بنا الحنين للأجواء الشعبية نشم عبيرها مع «طِلب» فى لحن «ساكن فى حى السيدة».. وعندما نتوق إلى المرح نغنى من ألحانه «يا مصطفى يا مصطفى» و« فطُّومة».. أما أنا فإن لدى فى حياتى مؤشرًا آخر اسمه «تملى فى قلبى يا حبيبى» إنها الترمومتر لتحديد علاقتى بالأشخاص.. من فرط الصدق الذى أستشعره فى كلماتها وبنائها اللحنى وأدائها، فأنا أتعرف على الناس بدرجة تفاعلهم مع «تملى فى قلبى». إنها نقطة ضعفى.. من يهيم مثلى بها حبا يصبح وإلى الأبد «تملى فى قلبى»!