حسنا فعل الرئيس محمد مرسى بإصداره قرارا بتشكيل لجنة جمع للمعلومات والأدلة وتقصى الحقائق بشأن وقائع قتل والشروع فى قتل وإصابة المتظاهرين السلميين فى أثناء أحداث الثورة بجميع أنحاء الجمهورية.. وهو ما يمكن أن نسميه إعادة فتح ملفات التحقيقات فى جرائم قتل الشهداء.. بعد الهزل و«المسخرة» التى وصلت إلى المحاكم فى تلك القضايا.. وعدم تعاون أجهزة الأمن مع النيابة، فضلا عن عدم مبادرة النيابة -بنفسها- بالذهاب إلى تلك الأجهزة والحصول على المعلومات التى لديها.. فكانت القضايا فى النهاية بلا أدلة.. وكلاما مرسلا.. لتكون النتيجة براءة المتهمين.. نرى ذلك فى قضايا كثيرة، وفى جميع المحافظات، حتى فى القضية الكبرى التى قضت ببراءة مساعدى وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى، من قتل المتظاهرين.. وكأن هناك من جاء من السماء ليقتل ما يقرب من ألف متظاهر، ويصيب الآلاف فى أثناء مظاهرات الثورة.. وكأن عصابة مبارك وحبيب العادلى فى الداخلية لم يكن لها علاقة بالمظاهرات أو الأمن أو انفلاته.. وأن قوات الأمن المركزى والقناصة لم يكن لهم وجود أيام الثورة.. هكذا قالت ملفات التحقيقات التى نظرتها المحاكم.. فكانت البراءة للمتهمين بالقتل هى سيدة الموقف. أصبح الأمر الآن بين يدى اللجنة التى شكلها الرئيس، لتجمع الأدلة بكفاءة.. وفى ظل وجود دولة «أو شبهها» الآن، على غير ما ادعته النيابة فى تحقيقاتها، من عدم تعاون أى من أجهزة الدولة فى الأدلة، خصوصا وزارة الداخلية والمخابرات.. وتضم لجنة الرئيس بشأن وقائع قتل المتظاهرين عناصر من وزارة الداخلية سابقة وحالية، مع رئيس هيئة الأمن القومى فى المخابرات العامة، فضلا عن وجود مساعد النائب العام بها، وبرئاسة قاضٍ مستقل، وعضوية قضاة وأساتذة فى القانون وممثلين عن شباب الثورة، وهو ما يتيح لها بالفعل الحصول على المعلومات والأدلة الآن من جميع الأجهزة الأمنية، التى لم تكن تستطيع فى الفترة الماضية الكشف عن الأدلة لديها، لسيطرة عناصر، ولاؤها لا يزال للنظام السابق.. ولعل ما جرى فى الداخلية بعد الثورة من استمرار رجال العادلى فى تبوّؤ المناصب القيادية فى الوزارة، منع رجلا طيبا مثل اللواء منصور عيسوى من فعل أى شىء فى الوزارة.. وهو ما اضطره أخيرا إلى السير على طريقتهم، ومنح جميع ضباط الداخلية زيادة فى الرواتب بمن فيهم الضباط الموقوفون والمتهمون فى قضايا قتل المتظاهرين. أيضا جهاز المخابرات، وما أدراك ما المخابرات، التى لديها أشرطة مسجل عليها ما دار فى التحرير والمناطق المحيطة فى أحداث الثورة، والتى تم الحصول عليها من التليفزيون، حيث المئات من كاميرات الأمن التى سجلت كل شىء، بدءا من يوم 25 يناير، وكذلك كاميرات المتحف المصرى ومجمع التحرير، التى لم يتم الكشف عنها حتى الآن، وذهبت جميعها إلى المخابرات العامة. إذن هناك أدلة ومعلومات لم تستطع النيابة الحصول عليها، وتقديمها إلى المحاكمات.. فكانت النتيجة براءة المتهمين.. وكأنه لم يكن هناك شهداء فى الثورة.. وكأن الثورة لم تقم أصلا. فقد كانت مؤسسات الدولة خلال الفترة الانتقالية متراخية تماما عن القيام بدورها.. وساعد فى ذلك أداء المجلس العسكرى، الذى حاول بقدر فهم جنرالاته المعاشات، أن يحافظ على تلك المؤسسات كما ورثها عن مبارك كما هى.. فصارت المتراخية برجالها الذين حافظوا عليهم، بل وصل الأمر بها إلى التواطؤ ضد الثورة. ومن هنا لا بد أيضا للرئيس محمد مرسى أن يتخذ إجراءات ضد تلك المؤسسات المتراخية، لتتخذ الإجراءات القانونية والسياسية اللازمة لاسترداد أموال الدولة المنهوبة، سواء التى تم تهريبها إلى الخارج أمام أعين، وبموافقة، وربما بتصريح من تلك المؤسسات، أو التى لا تزال فى أيدى الناهبين من رجال مبارك الذين استولوا على أراضى الدولة، وحصلوا على مصانع ومؤسسات الدولة بتراب الفلوس.. وبالفساد.. فهل يعقل أنه بعد مرور ما يزيد على 16 شهرا من الثورة لم تسترد البلاد جنيها واحدا من تلك الأموال، أو تسترد الدولة مترا واحدا من تلك الأراضى التى منحها النظام المخلوع لعصابته بالفساد.