كشفت النيابة فى مرافعتها فى قضية قتل المتظاهرين المتهم فيها الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وأفراد عصابته، وعلى رأسهم حبيب العادلى، وزير داخليته، حجم العداء الذى حملته «وتحمله» أجهزة الدولة ورموز النظام السابق الذين لا يزالون يحتلون المناصب المهمة للثورة. وقد رفضت وزارة الداخلية التعاون مع النيابة فى تلك القضية، ولم تقدم أى أدلة طلبتها النيابة، مع أن هذا دورها وواجب عليها.. لكن قيادات الداخلية الذين يدينون للنظام السابق وحبيب العادلى تواطؤوا وتعمدوا عدم تقديم الأدلة والمعلومات، على الرغم من أن لديهم -ولا يزال- جميع المعلومات والتحركات لقوات الأمن التى قتلت المتظاهرين فى الثورة. كذلك فعل جهاز الأمن القومى، الذى اتهمته النيابة بعدم التعاون معها، ولم يرسل أى أدلة يحتفظ بها، أو وصلته، أو تحفظ عليها أيام الثورة، التى فيها أدلة على مشاركة مبارك وعصابته فى إصدار أوامر بالتحريض وقتل المتظاهرين أيام الثورة. وعلى الرغم من النفى الذى نشره جهاز الأمن القومى، من أنه ليس من اختصاصه جمع الأدلة، بما معناه عدم الاستجابة لطلب النيابة بالحصول على الأفلام التى جرى تصويرها لأحداث الثورة فى أماكن يشرف عليها الجهاز، مثل كاميرات التليفزيون والمتحف المصرى ومجمع التحرير وغيرهم، وقد يكون هذا ليس من اختصاصه فعلا، فنحن فى ثورة قام بها الشعب المصرى كله بجميع طوائفه ضد استبداد وفساد مبارك وعصابته.. وسقط فى هذه الثورة أكثر من ألف شهيد، غير آلاف المصابين، وعلى يد قوى قمع النظام المخلوع.. فقد كان طبيعيا أن يتعاون الجميع فى كشف الجريمة التى فعلها النظام السابق، لكى يحتفظ بكرسى الحكم.. وحتى يكون جهاز الأمن القومى، كما قال المصدر المسؤول فى النفى الذى نشره عن عدم التعاون مع النيابة فى جمع الأدلة «أن جهاز المخابرات العامة المصرى وهيئاته جهاز وطنى وخادم لشعب مصر وثورته، ويحافظ على أمنها وسلامتها..». أليس فى محاكمة مبارك وعصابته، الذين قتلوا شهداء الثورة، جزء من خدمة الشعب وثورته، والحصول على حقوقه وأمنه؟! أما وزارة الداخلية فحدِّث ولا حرج عن موقفها من الثورة.. لم يقف الأمر عند عدم تقديم أدلة لأحداث أيام الثورة، والمشاركة فى قتل المتظاهرين، فقد قاد رجال العادلى سيناريو الانفلات الأمنى.. وأطلقوا البلطجية والمسجلين من السجون لترويع الناس حتى يكرهون الثورة. ولا يزالون حتى الآن يرعون البلطجية ويطلقونهم فى جميع الأحداث. ومع هذا لم يفكر وزير من الذين تولوا وزارة الداخلية بعد الثورة أن يجرى تحقيقا داخليا عما حدث فى أيام الثورة، ومَن السبب فى الانفلات الأمنى؟ ومَن الذى أعطى الأمر بإطلاق الرصاص الحى والخرطوش والمطاطى على المتظاهرين السلميين؟.. ومن الذى دهس المتظاهرين بالسيارات ليس فى ميدان التحرير أو شوارع القاهرة فقط، وإنما فى جميع محافظات مصر يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011؟! ومَن أطلق القناصة لقتل المتظاهرين السلميين؟! ومَن أين كانوا يتلقون أوامرهم بشكل مباشر؟! لقد تولى وزارة الداخلية من بعد حبيب العادلى اللواء محمود وجدى، ورغم خلافه الشخصى مع العادلى استمر فى السياسة الأمنية نفسها.. وكان يشارك فى حكومة أحمد شفيق، الذى جاء بتكليف من مبارك شخصيا، والذى شاركه فى «موقعة الجمل»، لكى يتم التخلص بشكل نهائى من المتظاهرين فى التحرير، وفى ميادين مصر.. واستعادت الداخلية نفوذها عبر بلطجية الحزب الوطنى وقتها.. لكنهم فشلوا وافتضح أمرهم لتنتصر الثورة.. ويحاول العسكر الحفاظ على شفيق ووزير داخليته محمود وجدى فى الحكومة.. وهو ما رفضه الثوار، لتتم الإطاحة بهما.. فلم يفعل وجدى شيئا فى الداخلية إلا الاستمرار على سياسة العادلى. وأتوا بمنصور عيسوى من المعاش على غرار جنرالات معاشات «المجلس العسكرى».. فلم يفعل شيئا، ولم يستطع فتح تحقيق داخلى عما جرى فى الوزارة أيام الثورة. وكان فى يديه أن يجرى عملية إصلاح كبرى داخل جهاز الشرطة ووزارة الداخلية، لكنه لم يستطع، فقد ظل رجال العادلى يسيطرون على الوزارة، وربما برعاية آخرين. وأتوا باللواء محمد إبراهيم، المشرف على فض اعتصام اللاجئين السودانيين فى ميدان مصطفى محمود بالمهندسين بالقوة، الذى سقط فيه عشرات الضحايا، ليتولى وزارة الداخلية، وعلى الرغم من أنه حاول أن يكون ظاهرا ومؤكدا استعادة الأمن، إنما بالطريقة القديمة نفسها، بزيارات يستعين فيها معاونوه بالبلطجية ومسجلى الخطر، ليكونوا فى انتظاره، ويهتفون «الشعب والشرطة.. إيد واحدة!!». فماذا تنتظر ممن يتصرف هكذا؟! يقول اللواء محمد إبراهيم، فى اتهام النيابة لوزارة الداخلية بعدم تقديمها للمعلومات والأدلة التى طلبتها النيابة فى قضية قتل المتظاهرين، إن الوزارة قد انهارت ابتداء من يوم 28 يناير الماضى، وبالتالى فقد تعذر على الوزارة تقديم أى معلومات أو أدلة للنيابة. فهل فتح سيادة اللواء محمد إبراهيم تحقيقا داخليا فى سبب انهيار الوزارة، بدءا من يوم 28 يناير، يمكن به تقديم ضباطه الذين كانوا سببا فى انهيار الوزارة إلى المحكمة؟! أم سيستمر سيادة اللواء محمد إبراهيم فى دفع أتعاب المحاماة لضباط الشرطة والأفراد المتهمين بقتل المتظاهرين فى جميع محافظات مصر؟! إنهم لا يزالون يكنون العداء للثورة.