هل كانت صفقة أم صفعة تلك التى عشناها فى «كان»؟ صفّقنا، ليس للفيلم ولكن لمشاركة مصر بعد 15 عاما فى المسابقة الرسمية بعد أن ظللنا طوال السنوات الأخيرة نلعب لعبة سخيفة هى «السلم والسجادة»، نصعد على سلم قاعة «لوميير» بعد أن أجّرناه ونرى عليه عددا من كبار نجومنا كأنهم يؤدون مشهدا فى عمل فنى، وهكذا تابعنا عادل إمام ومحمود عبد العزيز وليلى علوى ويسرا وهم يشاركون فى تلك اللعبة السخيفة سنويا، حتى جاء «بعد الموقعة» لنصبح أمام حقيقة: فنانون مصريون يشاركون رسميا فى المهرجان! عندما عُرض الفيلم قبل نحو أسبوع كتبت رأيا سلبيا فى هذه المساحة، حيث جاءت النتائج بعيدة عن التوقع رغم أننى شاهدت الفيلم مرتين: الأولى فى عرض محدود بنسخة قبل الاستكمال النهائى قبل المهرجان بأقل من أسبوع، ثم شاهدته مجددا فى أول أيام المهرجان. وهناك بالتأكيد فارق بين المستوى الفنى للفيلم ووجهة النظر الفكرية التى يتبناها. أوافق على الفكر وأرفض التناول الفنى. فى أثناء المؤتمر الصحفى جاء موقف يسرى نصر الله المعلن والرافض لعرض الفيلم فى إسرائيل لا يحتمل الشك، وهو يعزف على وتر كلنا نردده هو «لا لإسرائيل» التى تريد أن تنزع عنا آخر أسلحتنا وهو المقاطعة الثقافية.. إلا أن ما حدث بعد ذلك هو أن هناك كلمات ترددت حول مشاركة منتِج صهيونى فى إنتاج الفيلم مع الجانب المصرى هو جورج مارك بنامو الذى روى لنا كثير من العرب المقيمين فى فرنسا كم كان معاديا لكل ما هو عربى، وأن سياسة ساركوزى التى تحمل عنصرية تجاه العرب، لعب بنامو القريب من ساركوزى دورا محوريا فى تأكيدها. ربما هناك بعض المبالغات تحدث دائما فى مثل هذه الأحوال، إلا أن المؤكد أن بنامو لا يحمل للعرب فى الحدود الدنيا أى مشاعر إيجابية، ورغم ذلك فإن هذا لم يمنعه من إعلان عزمه على تقديم أفلام تتناول ربيع الثورات العربية!
الزميل الناقد أحمد عاطف على صفحات «الأهرام» أشار إلى عدد من مواقف بنامو.. حتى الآن لا نعرف هل كان يسرى يعرف أم لا.. المؤسف الآن أن الفيلم -كما تردد فى أكثر من جريدة- تم بالفعل بيعه إلى إسرائيل. صحيح أن يسرى من حقه أدبيا الاعتراض، وقد أعلن ذلك واضطُرّ إلى تأكيد أن لديه أصدقاء فى إسرائيل، وهذا من الممكن تفهُّمه لا تقبُّله عندما تواجه الميديا الغربية لأننا فى كل الأحوال لا نعادى بشرا بل دولة ونظاما عنصريا.
المنتج الصهيونى يغازل الإعلام قائلا إنه سعيد بثورات الربيع العربى.. هل تسعد إسرائيل حقيقة بتحرر العرب وانتزاعهم حريتَهم؟ المنتج الصهيونى لا يمكن أن نصدق أنه حسن النية فى توجهه حتى لإنتاج أفلام تُشيد بثورات الربيع.. سبق أن صرح يسرى فى المؤتمر الصحفى الذى عقده بعد عرض الفيلم بأن إسرائيل لم تسعدها ثورات الربيع، فكيف تأمن بعد ذلك لثورات خلعت حكاما كانوا يهادنونها ويعيدون لها الجواسيس ويبيعون لها الغاز بأبخس الأسعار ويفرطون فى دماء زكية أريقت وهى تدافع عن الأرض والعرض؟!
الحقيقة قبل أن تختلط الأوراق هى أن يسرى كان واحدا من الفنانين الذين شاهدتهم فى ميدان التحرير ليلة 25 يناير، وآراؤه قبل الثورة معلنة وموثقة فى رفضه فساد مبارك والتوريث، واختلافى حول الفيلم فنيا لا يعنى أن نشكك فى نياته الفكرية!
أتذكر أن فيلم «المهاجر» ليوسف شاهين واجه نفس المأزق قبل 18 عاما، فهو إنتاج مشترك مع شركة فرنسية.. الفيلم عُرض فى إسرائيل، وأشارت الصحافة المصرية والعربية وقتها إلى ذلك، وهو ما دفع المخرج الكبير إلى أن يعلن اعتراضه، ولكنه لم يكن يملك من الناحية القانونية منع تلك الجريمة.
على يسرى وكل المشاركين فى الفيلم أن يسارعوا بإصدار بيان جماعى يبرّئون فيه ساحتهم من عرض الفيلم المصرى قريبا فى تل أبيب.
يقولون: هل تموت الفرحة المصرية بالظهور داخل المسابقة الرسمية لمهرجان كان؟ إجابتى هى أن «الموقعة» على المستوى السياسى تجاوزت «بعد الموقعة» كعمل فنى.. يجب أن نتصدى له جميعا حتى لا تصبح ثورات الربيع العربى جسرا تعبر من خلاله إسرائيل إلى عقر دارنا!