تصاعدت حدة الزخم الإنتخابى فى الأونة الأخيرة ما بين صعود لأسهم مرشحين بعينهم وهبوط أسهم أخرين طبقا لإستطلاعات الرأى التى يتم نشرها بين الحين والأخر فى وسائل الإعلام المختلفة . والحقيقة أن الخبرة المتراكمة لدى الشعب المصرى فى كيفية الخروج بنتائج أقرب إلى الواقع تكون مبنية على تلك الإستطلاعات مازالت ضئيلة للغاية بالمقارنة بالدول التى إعتاد مواطنوها على لجوء المراكز البحثية هناك إلى مثل تلك الإستطلاعات للإعتماد عليها فى قياس توجهات الرأى العام حول القضايا الوطنية المختلفة، وبصفة خاصة عندما يتعلق الأمر بالإنتخابات العامة .
إلا أننا إذا ما إعتبرنا أن نسبة نجاح العينة الإستكشافية فى الوصول إلى أقرب نتيجة للواقع لا تتجاوز ال 70% على سبيل المثال، فسوف نجد أن تصاعد وتيرة الفعاليات الإنتخابية من ندوات ومؤتمرات وجولات إنتخابية للمرشحين والتى تكون عادة مصحوبة بتغطية إعلامية واسعة قد تسببت فى تقسيم المجتمع المصرى إلى ثلاثة أقسام وهم ببساطة : إسلامة، ثورة، فلول!!
فالناخب ذو التوجه الإسلامى أو المتعاطف مع هذا التيار سوف يكون عليه أن يصوت لمرشح واحد من بين ثلاثة هم : الدكتور محمد مرسى مرشح جماعة الإخوان المسلمين، والدكتور عبد المنعم أبوالفتوح مستقلاً، والدكتور محمد سليم العوا مستقلاً أيضا، ولكن طبقا لإستطلاعات الرأى تبقى أسهم الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح هى الأعلى داخل هذا التيار لأنه لن يتقوقع بأى حال من الأحوال داخل كتلة التصويت الإسلامية فقط، وإنما سوف يتطلع أيضاً إلى جذب قطاعات عريضة من غير الإسلاميين اللذين مازالوا يرون أنه يمثل الإنفتاح والتفاعل مع الأخر .
أما هذا الناخب الذى قرر أن يصوت لأحد مرشحى الثورة فقد يجد نفسه مجبراً على التصويت لحمدين صباحى نظراً لمحدودية التنوع داخل هذا التيار وإنحساره حول حمدين بما يمتلكه من تاريخ حافل بالنضال ضد فساد النظام الساقط وإستبداده .
نأتى إذن إلى هؤلاء اللذين ينوون التصويت لأحد مرشحى النظام السابق واللذين نطلق عليهم نحن الفلول أو المواطنين الشرفاء، وهؤلاء – للأسف – ليسوا بالقلة التى يمكن تجاهلها أو تهميشها، ولكنهم فى الحقيقة يمثلون تيار واسع يعتمد على أنصار النظام الساقط ممن يمتلكون مصلحة فى عدم إستمرار الثورة أو تحقيق أهدافها، وهؤلاء ممن يبحثون عن الإستقرار ويعتقدون أن رجال النظام البائد هم من يستطيع إرساءه والسيطرة على الإنفلات الحالى، كذلك كل من يخشى من وصول التيار الإسلامى إلى مقعد الرئاسة ويرى فى عمرو موسى أو أحمد شفيق القدرة على الفوز بالسباق الإنتخابى.. وأيضاً تبقى كفة موسى هى الأرجح .
فى الغالب فإن هؤلاء لا يدركون أن قرارهم بالتصويت لأحد أركان النظام الذى قامت الثورة من أجل الإطاحة به هو لعب بالنار، ومحاولة للبحث عن الإستقرار فى غير موضعه، حيث أن نجاح أحد هذين المرشحين سوف يؤدى إما لإجهاض الثورة والقضاء عليها بشكل تام ونهائى، أو لإشعال ثورة ثانية تكون كفيلة هذه المرة لإغراق البلاد فى فوضى عارمة لن نستطيع التعافى من أثارها بأى حال من الأحوال فى المستقبل القريب .
وبغض النظر عن أى حسابات أخرى، فإننا – ولا شك – بصدد فعاليات أولية لتجربة ديمقراطية حقيقية سوف تضع نهاية للدولة العميقة ولنظام الحكم المستبد الذى عانينا منه لعقود طويلة، فالشرح السابق يوضح أن هناك إنتخابات داخلية غير رسمية تحدث بين أنصار كل تيار من التيارات الثلاث الرئيسية، ولكنها لم تتبلور بعد فى صورة إنتخابات حزبية لأن الشعب هو من يقودها الأن وليس قيادات تلك الأحزاب أو التيارات .
إلا أن ذلك لا ينفى على الإطلاق حالة الإستقطاب المسيطرة على البلاد الأن، والتى تظهر فى الخوف والقلق الشائعين بين أطياف المجتمع المختلفة من أسلمة المجتمع بحسب رؤية المتشددين ودعاة المغالاة والتطرف، أو زعزعة إستقراره فى صورة مظاهرات وإحتجاجات وإعتصامات قد تؤدى إلى تولد الفوضى، أو إجهاض الثورة . غير أن تلك الخيارات تظل بعيدة كل البعد عن أرض الواقع لأن الشعب فى النهاية هو من سيحدد شكل الجمهورية الجديدة.. جمهورية " العيش والحرية والعدالة الأجتماعية " .