ربما تحمل معركة الرئاسة بعض المفاجآت، خلال الأيام القليلة القادمة، وربما تكون للتحالفات والتنازلات كلمة السر فى حسم نتيجة المعترك الانتخابى الباحث عن أول رئيس لمصر بعد الثورة، وسط جدل صاخب يزداد يومًا بعد الآخر بحثا عن إجابة. تظل التكهنات فى هذا الشأن مجرد تخمينات وتوقعات تعبر فى الواقع عن أمانى وأحلام، ولا تستند إلى إحصاءات دقيقة أو استطلاعات رأى غير موجهة، لكن الشاهد فى الأمر أن تفتيت الأصوات بين عدد من المرشحين الإسلاميين وصل إلى خمسة حتى الآن (أبوالفتوح، أبوإسماعيل، العوا، الأشعل، مجدى حسين)، سيصب بشكل صريح فى صالح عمرو موسى صاحب الحملة الأكثر تمويلا وتنظيمًا. فى حال استمرت حالة النزال بين المرشحين الإسلاميين على النحو السابق، دون إدراك لطبيعة المرحلة، وحسابات المعركة الانتخابية دون عواطف، فإن مقعد الرئاسة سيذهب لأحد الفلول، وحينئذ لن يفيد البكاء على اللبن المسكوب. أغلب الإسلاميين تحكمهم لغة العواطف، فمن يؤيد الشيخ أبوإسماعيل لا يرى غيره يصلح رئيسا لمصر، ومن ينتظر قرار الإخوان يظن أن الجماعة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وأن قرارها المنتظر يسير بمعية الله، ومن يؤيد أبوالفتوح يدرك جيدًا أنه سيتعرض لطعنة فى الظهر من رفقاء الأمس. حسابات معركة الرئاسة تختلف بشكل أكيد عن انتخابات مجلسى الشعب والشورى، ومصر فى مخاض صعب يخشى معه أن تخرج مظاهرات عقب أسابيع من انتخاب الرئيس الجديد تطالب بإسقاطه، ويتهمه "الثوار" بخيانة الثورة، كما حدث مع الدكتور عصام شرف الذى رشحته ائتلافات ثورية لرئاسة الحكومة السابقة، ونال الشرعية من ميدان التحرير، ثم خرجت نفس الائتلافات تطالب بإسقاطه. ربما تحتم طبيعة المرحلة أن نخوض معركة الرئاسة ب"الطريقة الأمريكية".. رئيسا ونائبا، وهى معادلة تضمن كثيرًا من التوافق الذى يبحث عنه الشارع المصرى، وتبعث بالعديد من رسائل الطمأنة للداخل والخارج، وتعفى مصر من حالة الانقسام القائمة، وأجواء الشكوك والطعون التى تخيم على الجميع، وطالت برلمان الثورة، ووصفته بأنه غير نزيه لكونه جاء بالإسلاميين. الحقائق تؤكد أن الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، والمرشح حمدين صباحى، هما الأكثر حيوية وشبابا بين مختلف المرشحين، فضلا عن امتلاكها قدرًا جيدًا من الكاريزما، والتقارب الفكرى، وانطباعات جيدة لدى رجل الشارع بشأنهما، كما يحظيان باحترام واسع بين التيارات الإسلامية والليبرالية واليسارية. أبوالفتوح وصباحى هما الأكثر ثورية ين المرشحين المطروحين على الساحة، ولهما دور كبير فى الحركة الطلابية إبان فترة السبعينيات، ولهما مواقفهما التاريخية ضد نظام السادات ومبارك، وتعرضا للاعتقال فى أكثر من مناسبة، ولهما تاريخ من النضال، لا يختلف عليه اثنان. أبوالفتوح رئيسًا وحمدين نائبا.. معادلة فى حال التوافق عليها يمكن أن تنقذ كرسى الرئاسة من الوقوع فى يد الفلول، وستحمل فى طياتها مشروع أمل كبيرا وتجربة جادة تنتقل مصر إلى مصاف الدول الديمقراطية والمتقدمة فى وقت قصير، فضلا عن نجاع المعادلة فى إنهاء أية مخططات للتحرش بالرئيس القادم، ومحاولة الطعن فيه والتشكيك فى الانتخابات التى ستأتى به. الطرح يحتاج إلى مزيد من النقاش والرؤى لتبنيه بما يخدم صالح مصر، ويبقى جذوة الثورة مشتعلة من خلال رئيس ونائب لهما هذا القدر من الثورية والوطنية، ويحظيان بقبول الإسلاميين والليبراليين بعيدا عن أية حسابات شخصية، أو توازنات دولية، أو إملاءات من العسكر، أو تشنجات المتطرفين والمزايدين. أبوالفتوح وحمدين يستطيعان بحكم تجاربهما احتواء الجميع، وأن يكونا نموذجا يرضى تطلعات الإسلاميين، ويبدد مخاوف الليبراليين، ويطمئن الأقباط، ويتعامل بندية من الغرب، ويعيد لمصر مكانتها العربية والإسلامية، ويصل بمصر الثورة إلى بر الأمان.