«لن يترك الجيش مصر إلا آمنة ومستقرة».. هذه نوعية من التصريحات التى يطلقها المشير طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة -الذى يدير شؤون البلاد من 12 فبراير وحتى الآن- التى يؤكدها فى الفترة الأخيرة. وكأنه فى ذلك لن يسلم البلد أبدا.. فمصر لم تعد مستقرة ولا آمنة.. ولم تكن كذلك فى عهد مبارك حتى لا يفكر أحد أن عهد مبارك كان مستقرا.. فقد كانت البلاد على يديه تحكم بعصابة فاسدة تقمع الناس وتحتقرهم.. وتعمل من أجل شخص واحد.. فلم تكن مستقرة أبدا.. ولم تكن آمنة أبدا.
وقد كانت مصر متجهة إلى الاستقرار والأمان بعد ال18 يوما من الثورة التى شارك فيها كل فئات الشعب المصرى ضد نظام ديكتاتورى مستبد -يدعى الاستقرار والأمن للبلاد- تلك الثورة التى أبهرت العالم وحركت المياه الراكدة فى كثير من الدول المستبدة.. وكان مقدرا لمصر أن تستعيد دورها الريادى فى المنطقة بعد أن تنازل مبارك عن ذلك الدور مقابل حصوله على دعم بإبقائه فى السلطة ودعم توريث نجله جمال.. ولكن قامت الثورة لتطيح به، وكان من المفترض أن تعيد هيكلة المنطقة وقبلها السلطة بشكل آخر يعتمد على الديمقراطية وتعظيم الحريات، والانتقال إلى قائمة الدول المتقدمة.. لكن الأداء الفاشل لجنرالات المجلس العسكرى الذى تسلم السلطة ووثق فيه الشعب كان بالمرصاد.. وبدأ جنرالات معاشات المجلس العسكرى الذين ينتمون فعليا إلى مبارك ونظامه فى الطمع فى السلطة.. وتركوا الأمور تتدهور نتيجة جهلهم بالسياسة وإدارة البلاد.. وإنصاتهم لمن ينافقونهم فقط على غرار ما كان يفعله مبارك وعصابته.
ولم يسع جنرالات العسكر فى تحقيق أهداف الثورة، بل التفوا حول المطالب.. ودخلوا فى تحالفات وصفقات للحصول على مكاسب أكثر، واستكانوا إلى قوى تخيلوا أنها ستمنحهم حماية ونفوذا أكثر أمام قوى ثورية ترفض الحكم الفاشى، سواء كان ممثَّلا فى العسكر أو رجال الدين أو مَن يزعمون أنهم يتحدثون باسم الله. ولم يتمكن جنرالات معاشات المجلس العسكرى من استعادة الأمن وضرب انفلاته الذى نشرته عصابة مبارك فى وزارة الداخية لضرب الثورة وترويع المواطنين وتخويفهم من الثوار فى ثورتهم ضد مبارك وإصرارهم على رحيله مع نظامه.
وانتشرت على أيديهم الفوضى.. التى جرت برعاية بقايا نظام مبارك من جنرالات الداخلية، الذين ما زالوا يتحكمون فيها حتى الآن.. وقد جرى مكافأة الضباط على رعايتهم تلك الفوضى التى ما زالت قائمة فى الشوارع وإطلاق البلطجية والباعة الجائلين فى ميادين مصر، بالإضافة إلى مسجلى الخطر الذين يجرى إطلاقهم كطرف ثالث فى كل الأحداث، التى شهدت انتهاكات من الشرطة العسكرية وأفراد من الجيش وبمشاركة قوات الأمن، بدءا من أحداث ماسبيرو، مرورا بأحداث «محمد محمود» و«مجلس الوزراء» و«قصر العينى»، وصولا إلى محيط وزارة الداخلية، وأخيرا أمام وزارة الدفاع، التى سقط فى أحداثها مزيد من الشهداء والمصابين.
ولعل من الملاحظ الآن أن هناك آلاف المعتصمين من أمناء الشرطة أمام وزارة الداخلية ومديريات الأمن ولم يعترضهم أحد.. وعندما حاول الثوار الاحتجاج فى محيط وزارة الداخلية أطلق عليهم الرصاص الحى والمطاطى والخرطوش والبلطجية الذين ما زالوا تحت رعاية الأمن.. ويعيدونهم الآن إلى الشرطة العسكرية، تحت قيادة الجنرال حمدى بدين ومساعديه، فضلا عن جنرال القيادة المركزية الذى يسب الثوار، والذى يستعين بمشايخ السلفية فى حل مشكلاته.
ولقد سار جنرالات المجلس العسكرى فى مسارات ملتوية ولم يكونوا على مستوى الثقة التى منحها لهم الشعب ولم يحققوا الأمن لهم وكأنه أمر متعمد لهم... ولم يستعيدوا أى أموال نهبها رموز النظام المخلوع.
ولم يستعيدوا أى متر من الأراضى التى نهبها رجال أعمال مبارك وأنجاله وأصهاره.
ولم يستعيدوا ما حصل عليه موظفو مبارك الكبار الذين نهبوا مؤسسات الدولة برعاية عصابة مبارك.
ولم يحاسبوا أحدا من الذين نهبوا البلد عبر ثلاثين عاما من حكم مبارك الديكتاتورى.
ولم يحاسبوا أحدا من الذين أفسدوا الحياة السياسية.
وكل ذلك من مطالب الثورة.. من أجل تحقيق أمن البلد واستقرارها.
فأين الأمن والاستقرار؟!
فيا سيادة المشير.. ويا جنرالات «العسكرى».. إن الدولة المصرية تحت حكمكم أصبحت فاشلة بسبب إدارتكم الفاشلة.