سأقفز فوق المرحلة التى نعيشها، خلاص رحلوا العسكر وانتهت مأساة أن يحكم مصر 19 شخصا، فى اللحظة نفسها لم يسبق لواحد منهم أن حكم مدينة.. انتهت المأساة بكل ما فى فكرة الحكم الجماعى من ارتباك وتخبط وصراعات وكواليس، الله أعلم بها، وانتخبنا رئيس جمهورية بعد سلسلة من المهاترات والتلقيح والاحتكاكات والتوتر أمام صندوق الانتخابات لثقة كل واحد فينا أن صوته سيكون فارقا فى مصير البلد، وكتبنا دستورا مرضيا إلى حد ما، وقبلنا العمل به، وتشكلت حكومة جديدة توافقية بشق الأنفس، فماذا بعد؟ هل سنقف للرئيس الجديد على الواحدة؟ أم سنتركه يخوض تجربته كاملة، على أن نتحاسب فى ميعاد ثابت سنويا، مثل مصلحة الضرائب بالضبط؟ هل نخرج له فى مليونية مع كل قرار أم سنجمد الحشد على أن يقول كلمته، وتقييمه مرة كل عام فى ذكرى الثورة؟ هل سنقلع عن طريقة العيش يوم بيوم التى نتبعها منذ قامت الثورة؟ هل سيقلع الواحد عن سؤاله اليومى بمجرد أن يستيقظ «هىّ الخناقة على إيه النهارده؟»، هل سيستيقظ الواحد أصلا و«إيده بتاكله» على أن يسهم فى أى شىء مفيد؟ أم سيستيقظ و«إيده بتاكله»على التلطيش، سواء عبر مقال أو بيان أو تويتة؟ هل سيكون الرئيس القادم قادرا على تفعيل الطاقة الثورية العارمة لمصلحتنا جميعا أم أنه سيكون قادرا فقط على استفزازها لتنفجر دون أن يمتلك واحد فينا القدرة على وقف تبعات هذا الانفجار؟ أم أنه سيتفنن فى قهرها دون أن يدرى أن الثورة تنمو بالقهر؟ هل سنكتب ميثاقا للثورة؟ يحدد أسباب قيامها وأهدافها ودور كل واحد فينا، ميثاق يفتح قلوب الناس لفكرة الثورة كما تنبغى ويشجع كل واحد على أن يقوم بالتغيير المطلوب فى حدود دائرته التى تبدأ به هو شخصيا، ميثاق يقضى على عشوائية الاعتصامات والإضرابات، ويعلمهم فنون الاعتراض دون تخويف أو قهر، ميثاق يحمى فيه بعضنا البعض من التخوين وترديد الاتهامات المجانية وتلويث سمعة الأفراد والجماعات، نص أدبى بسيط يشرح للجميع كيف يجب أن نتعايش فى مصر الجديدة، نص لا يترتب عليه أى إدانة قانونية قدر ما يترتب على مخالفته ازدراء جماعى. هل سنكتب ميثاق شرف إعلامى؟ هل سيكون هناك جهاز ميديا للثورة نفسها بقيادة الشباب يسمح لهم باختراق الحواجز الأسمنتية التى زرعها أنصار الثورة المضادة بين الشعب والثورة؟ هل سنتخلص من ابتذال مصطلح «صوت العقل» الذى استخدمه المضللون للتشويش على صوت الثوار؟ هل سنمتلك القدرة على كتابة ميثاق شرف إعلامى يعاقب كل من يستخدم شاشته أو ميكروفونه أو جريدته فى إحداث فرقة وتقسيم الشعب إلى جزر منعزلة والتعامل مع الثورة كأنها وجهة نظر، فمن خالفها خائن ومندس وعميل وممول؟ هل سنوحد تعريف الثورة أصلا أم سنجعلها معرفة حسب مزاج كل واحد إلى أن تتوه الفكرة وتصبح الثورة بمرور الوقت مجرد كهرباء زائدة لدى بعض الأشخاص؟ هل سنتخلص من الابتذال الذى يسيطر على حياتنا، المتمثل فى علاج المشكلات بالشحاتة أو جمع التبرعات أو إقامة الحواجز الأسمنتية أو قوافل الإغاثة لمدينة فى قامة بورسعيد أو الحشد والحشد المضاد أو بيانات تبرر لماذا ذهب السلفيون إلى حفل زفاف عمرو حمزاوى أو تصريحات غارقة فى «النسونة» والتلقيح، متبادلة بين الشخصيات العامة أو تصريحات رسمية على طريقة هانى شاكر «هتعرفوا قيمة دور الجيش بعد ما يرجع مكانه.. حسب تصريح أحد اللواءات»، أو استعراض القوة أو الممارسات الأمنية السخيفة والتكتل أمام شباب الثورة ومحاولة اختراقهم دون أن يحدث ما يشبه ذلك تجاه البلطجية والفاسدين وفلول النظام، ابتذال مصطلحات عجلة الإنتاج والمخططات الخارجية والأصابع الخفية والطرف الثالث وهيبة الدولة والشباب الطاهر بتاع 25 يناير. إن كانت ثمة مبادرة مفيدة فى هذه الأيام فهى المبادرة التى تناقش وتضع أساسيات ما بعد رحيل العسكر، لأنهم راحلون، وحسب قوانين الطبيعة ستقوم الدولة من جديد، فماذا أعددنا لهذه اللحظة؟