شهداء الثورة "الذي ذاق الحرية لن يتوسل لينالها " كم قتيلا يجب أن يسقط ، كم حريقا يجب أن يشتعل .. كم من الدماء يجب أن يسفك قبل أن يفهم العسكر ومعهم دولة العواجيز أنهم لن يحكموا هذا الجيل الذي ذاق الحرية. هذه ثورة جيل من الشباب ضد دولة العواجيز .. ليس فقط العواجيز بالعمر .. وإنما أيضا العواجيز بالممارسة وانعدام الخيال وعبادة البيروقراطية واللجان والورق وعرضحال الدمغة .. عواجيز الفكر الذين يحيلون الحقائق إلى لجنة لتثبت أنها حقائق .. ويعتبرون القتيل مازال حيا حتى تصدر ورقة رسمية تثبت أن المرحوم مات .. ويعتبرون أن الفاعل مختل عقليا لأن الوزير "قال كده" وأن المتظاهرين قلة مندسة لأن التليفزيون قال ذلك وأن الشباب الطاهر البرئ "لازم يكون مستحمي ولابس اللي ع الحبل" وإلا فهو من البلطجية. مشكلة الثورة هي أنها بين جيلين ومنهجين مختلفين تماما في الشكل والمضمون .. ليست مصادفة أن كلا من مبارك و المشير طنطاوي لا توجد في رأسيهما شعرة بيضاء.. وأن الدكتور كمال الجنزوري ليس في رأسه شعرة بيضاء .. (لون شعره أورانج على أحمر) .. كل هؤلاء الذين يسيرون على حافة الثمانين يحرصون على الصبغة وكأنها من مستلزمات الكرسي .. بينما في المقابل نجد البرادعي يتألق بصلعته التي تنحسر عن الشعر الأبيض .. وحمدين الصباحي والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح إشتعل رأسهم شيبا في الخمسين .. الثورة في بعض مستوياتها هي مشكلة جيل يعتقد أن الصبغة يمكن أن تخفي العمر .. وأن تصريح وزير الداخلية يمكن أن يخفي إستخدام الخرطوش ضد المتظاهرين .. وأن تصفيق نواب مجلس الشعب يمكن أن يلغي هدير الشارع .. مشكلة جيل تربى على "تمام يا فندم" .. وأن بابا إسمه مبارك وماما إسمها سوزان وطاعة الوالدين واجب شرعي .. مشكلة جيل كان يقبل أن يتوسل "المنحة ياريس" في عيد العمال .. وهو يعرف أنها ستطير بعد يومين مع تضاعف الأسعار .. يا سادة هذا الجيل الذي ذاق الحرية لن يتوسل لينالها .. ولن يقبل بأنصاف الحلول وأرباع الحقائق ..لن يترك الذين يغسلون أيديهم من دماء المذبحة بمذبحة جديدة .. ويخفي آثار الجريمة بجريمة أبشع .. لن يفهم الخانعون الذين كانوا يتوسلون "المنحة يا ريس" منطق شباب "زي الورد" يصر على النزول ليقتنص الحرية ويواجه بصدره العاري وعيونه الغالية قناصة ليس لهم ضمير وشرطة تقف تشريفة ليمر من بين صفوفها البلطجية وعسكر يسجنون الشباب ويضربون تعظيم سلام لذي الرأس المصبوغ داخل قفصه. عواجيز الزهايمر يعتقدون أن هذا الجيل سينسى مع توالي الأحداث ولكنهم لا يعلمون أن الزهايمر لا يصيب أصحاب الشعر الأسود (بحق وحقيق) .. أرشيف جرائمهم مهما كثرت يمكن أن يحمله أصغر "فلاش ميموري" بالصوت والصورة والوثائق ..كل الجرائم مسجلة ومحفوظة .. من أول كنيسة القديسين (التي دفنوها إعلاميا وقضائيا ليثبتوا أنهم إما مذنبون أو متواطئون) إلى أحداث الإنفلات الأمني ومقتل اللواء البطران وإمبابة ومسرح البالون وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد .. تستطيع دولة العواجيز أن تبحث عن تحالفات كما تريد .. تستطيع أن تجد ضالتها في عواجيز مكتب الإرشاد أو شيوخ أمن الدولة أوكراكيب الإعلاميين المتحولين الذين يسبحون بحمد كل صاحب سلطة .. ولكنهم بكل تحالفاتهم وإعلامهم ونوابهم وسلطاتهم و"باباغنوجهم" لن يستطيعوا قهر هذا الجيل الذي تربى على "البلايستيشن" وتعلم أنه يستطيع أن يجرب 100 مرة وأن يموت 100 مرة .. وفي كل مرة يعمل "ريستارت" حتى يتمكن في النهاية من قتل الوحش الشرير. **** ملحوظة .. مصطلح "دولة العواجيز" من نسج الخال العجوز عبد الرحمن الأبنودي متعه الله بالصحة وشباب القلب والفكر..كل التقدير لكل عواجيز بلادنا الذين لا يصبغون رؤوسهم ويحتفظون بالشباب في قلوبهم