نشرت صحيفة "ذي تايمز" البريطانية اليوم الجمعة مقالاً افتتاحياً عنوانه "سنة اولى" بمناسبة مرور سنة تقريباً على بدء اندلاع الثورات والانتفاضات الشعبية العربية التي تسميها وسائل الاعلام الغربية "الربيع العربي". وهنا نص المقال: "كتب (المؤرخ البريطاني) ايه جيه بي تيلور ان التاريخ يزداد سمكه مع اقترابه من الاوقات الحديثة. وتاريخ الربيع العربي، الذي تحل ذكراه الاولى هذا الاسبوع، سميك بصورة خاصة كونه حافلاً بالمعلومات وعدم اليقين وكون مصيره النهائي مبهماً. المجتمع المفتوح ما زال بعيداً عن التجذر في العالم العربي. الحكام المستبدون سقطوا في بعض الدول، لكن لا توجد بعد مؤسسات لحماية حقوق الاقليات. ومع ذلك فان الاطاحة بالحكام القمعيين هي ضربة تخدم القيم المتمدنة. وهي توضح، للمملكة المتحدة وحلفائها، انعدام البصيرة في سياسة خارجية قرنت للعقود من الزمن المصالح الغربية بادامة الانظمة الاستبدادية الفاسدة التي صادف انها صديقة اسمياً. لقد كانت تركة التراخي الدبلوماسي واضحة في ردود الافعال الغربية الاولية ازاء المعارضة الشعبية. وكانت شرارة الاحتجاجات العربية اشعال بائع الفواكه التونسي محمود بوعزيزي النار في نفسه، ما ادى الى استقالة وفرار الرئيس زين العابدين بن علي. واقترح وزير الخارجية الفرنسي بصورة خارقة للعادة خلال هذه الانتفاضة احتمال قيام شرطة مكافحة الشغب الفرنسية بتدريب نظيرتها التونسية. وجمع ديفيد كاميرون بعدم ارتياح بين الترحيب بالاحتجاجات في مصر وبين جولة له في دول الخليج للترويج لصادرات الاسلحة البريطانية. وعندما شن العقيد القذافي هجوماً وحشياً على المحتجين الليبيين، استبعد وزير الدفاع الاميركي على الفور فكرة فرض قطاع حظر للطيران على الدكتاتور. ومع ذلك فان السياسة الغربية تحولت بسرعة وبصورة صحيحة. وانقذت قوة حلف شمال الاطلسي الجوية ارواح مدنيين ومكنت ثورةً شعبية من النجاح في طرابلس. ومما يؤسف له ان الادارة التزمت الصمت عندما قمع نظام الحكم الايراني الثورة الخضراء ضد التزوير الانتخابي في 2009. ولو ترددت الديموقراطيات الغربية هذه المرة ايضاً، فان هذا كان سيعادل قولها بصراحة للحكام المستبدين في كل انحاء المنطقة ان طريقة الاحتفاظ بالسلطة هي ان يكونوا دمويين الى حد كاف. وكانت بريطانيا وحلفاؤها مصيبين في تطبيق عقوبات على نظام الاسد في سوريا، مع ان الاجراءات الدبلوماسية والاقتصادية نادراً ما تتغلب على اسوأ الطغاة. وتقدر الاممالمتحدة ان اكثر من 000،5 سوري قتلوا في قمع سافر للاحتجاجات. ان طريق التغيير حافل بعدم اليقين. وقد فازت احزاب اسلامية سنية متطرفة بدعم انتخابي في مصر، بينما عانى المسيحيون الاقباط من هجمات قاتلة. وتظل بعض الانظمة التي تضطر بريطانيا الى التعامل معها عنيدة في وقوفها ضد اطلاق الحريات. وقد سارعت المملكة العربية السعودية التي يزورها رئيس الوزراء كاميرون اليوم الى مساعدة البحرين في قمع الاحتجاجات. مع ذلك فان الربيع العربي حركة ملهمة مثل سقوط الشيوعية. ولن تكون الديموقراطية العربية مثل الديموقراطية الاسكندنافية، كما لن يكون من السهل استبدال فساد وسلطوية مستمرين منذ عقود من الزمن. ولكن اصلاح نموذج حكم الرجال العسكريين الاقوياء والاعتماد على عائدات (مالية) من منتجات اولية حان اوانه قبل وقت طويل. وفي الانتخابات التونسية في تشرين الاول (اكتوبر) فاز حزب اسلامي بدعم قوي: ولكن من الامور المشجعة انه بدأ على الفور مفاوضات مع احزاب علمانية. هناك منطق اخلاقي في السماح للشعب ان يختار، ولكن لهذا مبرراً براغماتياً ايضاً. ذلك انه يكفل امكان التعبير عن المعرضة والخلاف سياسياً وليس فقط عن طريق المسجد. ان نشر الحرية هو في النهاية افضل تلقيح للوقاية من الحكم الديني المتطرف. ولدى مواطني الدول العربية كل سبب للمطالبة بها، وينبغي على الدول الغربية ان ترحب بذلك.