عندما اشتعلت الشرارة الأولى للربيع العربى فى تونس، كانت الأنظمة العربية وبلا استثناء تشعر بالقلق الطفيف كونهم على يقين بأن القبضة الأمنية فى تونس سوف تقضى على تلك المظاهرات والاحتجاجات التى نشبت هناك ، وعندما سقط النظام التونسى وهرب بن على إلى الخارج وضاقت به الدنيا بعد أن رفضت فرنسا استقباله على أراضيها لتحط طائرته على أرض السعودية ، حينها ظن كل طاغية ومستبد ان الفشل الأمنى فى قمع المظاهرات والاحتجاجات فى تونس هو السبب الرئيسى فى سقوط النظام و نجاح الثورة ، لم يخطر على بال أحدهم أن اللجوء إلى الإصلاحات والرضوخ لمطالب الشعوب البسيطة قد تحفظ الكثير من الدماء التى تم إراقتها فيما بعد خلال أحداث الثورات فى بلادهم ، بل وربما تحفظ لهم عروشهم لفترة قد تطول أو تقصر و على الأقل قد تؤمن لهم خروجا مشرفا و آمنا من السلطة . لقد تشابه الاستبداد الذى مُورسَ على أبناء الشعوب العربية كلا فى قطره ، فتشابهت ردود الأفعال التى تمثلت فى ثورات شعبية خرج الشباب فى مقدمتها ، فى مشهد مخالفاً لما رسمه الكثير فى مخيلته عن الشباب العربى المغيب الوعى ، وهى نظرة شبيهه بأخرى لطالما بقيت فى الأذهان عن المواطن العربى فى العصر الحديث بأنه مواطن مقهور لا يبحث سوى عن لقمة العيش التى يجدها بعد عناء و مشقة ، فكيف له وبحسب رأى الأنظمة أن يبحث عن معانى لمفاهيم مثل : الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ، صحيح أن الأنظمة الاستبدادية قد نجحت فى جعل السواد الأعظم من المواطنين العرب يبحثون عن لقمة العيش والمسكن والحد الأدنى من متطلبات الحياة ، لكن ثمة شعور بالكبت وإحساس بالظلم كان يتراكم على تلك العقود المنصرمة ، ربما مراكز الأبحاث الاجتماعية التى أنشأتها تلك الأنظمة لم تلحظ ذلك ، فكانت كصحفهم الحكومية المنافقة تعدل النتائج والأرقام و الأخبار كى ترضى السادة الزعماء ! لعل أجمل ما فى ثورات الربيع العربى أن شعاراتها جاءت عفوية وبدون ترتيب أو تخطيط ، فقط الشعب أراد أن يسقط النظام فكان : " الشعب يريد إسقاط النظام " شعاراً ملأ الدنيا و تصدر كل صحف العالم و وسائل إعلامها ، وهكذا شعارات كانت تأتى طبقا لطبيعة المرحلة و بالمثل كانت مسميات أيام الجمعة التى تجمع فيها الملايين فى ميادين بلدان عربية مختلفة ، تشابهت الثورات العربية فى سلميتها من كون الناس تخرج إلى الشوارع لتطالب بحقوقها المنهوبة والمسلوبة منها ظلماً ، لتطالب بسقوط طغاة حكموا بلادهم لعقود دون أى تنمية أو إصلاح يذكر كما ادعوا فى خطاباتهم المتكررة و المتشابهة على مر تلك العقود ، خرجوا ليأكدوا أن بلادهم جمهوريات وليست ممالك أو إمارات ، فمعظم هؤلاء الرؤساء قضوا فى الحكم فترات تفوق ما قضاها ملوك وإمراء وسلاطين ! ، خرجت الشعوب العربية فى ثورات كأنها ثورة واحدة ، ولما لا فالمعطيات والمسببات متشابهة .. فكان لابد للنتائج أن تتشابه هى الأخرى .