لا يمكن أن نعزل ما جرى في انتخابات نقابة المهن التمثيلية عما جرى ويجرى في مصر وكأن مقولة "يوسف وهبي" وما الدنيا إلا مسرح كبير تتجسد أمامنا مرة أخرى ونستطيع أن نقول مع تعديل طفيف وما انتخابات الممثلين إلا بروفة لما يجرى في مصر.. حيث أن خسارة "أشرف زكى" النقيب السابق للممثلين وأكثر الوجوه الفنية ارتباطاً بحسنى مبارك وبحاشيته والمدافع الشرس عن بقاء مبارك في السلطة والذي كان يستعد لتجييش الممثلين للتمهيد لتوريث الحكم لجمال قد أكدت على تراجع زمن مبارك ومؤيديه وكان "أشرف" قد لعب دوره أثناء ثورة يناير لإجهاضها ولهذا وجه الدعوة للفنانين للذهاب لميدان مصطفى محمود لتأييد الرئيس المخلوع وفى نفس الوقت هاجم بضراوة الفنانين الذين توجهوا لميدان التحرير لإسقاطه ولهذا احتل مكانة خاصة في أول قائمة عار أصدرها الثوار.. كان "أشرف زكى" بإصراره في البداية على ترشيح نفسه نقيباً حريصاً على أن يؤكد أنه لا يزال في البؤرة وأن أعضاء النقابة يريدونه نقيباً وبرغم أنه ليس من المفترض أن تختلط الأمور بين ما هو سياسي وما هو نقابي أو فني إلا أن التجربة أثبتت أن الدولة كانت تملك من الأوراق الكثير داخل النقابات الثلاث وأن نجاح النقيب كانت تلعب الدولة دوراً مؤثراً في احتلاله هذا المقعد حيث كان من المعروف أن النقابات الفنية الثلاثة سوف تتوجه إلى مبايعة جمال مبارك وريثاً لوالده وتم التحضير لساعة الصفر المتفق عليها بين جميع الأطراف.. جاءت الثورة لتغير في لحظة كل هذه الخطط إلا أن النقباء الثلاثة للنقابات الفنية لم يبتعدوا عن "الكادر" كل منهم وضع في خطته أن أنصاره سوف ينتخبوه مجدداً وأن تغيير الواقع السياسي لا يعنى تغييرهم أو نهايتهم الكل كان ينتظر نتيجة نقابة الممثلين لتحديد موقعه وموقفه وسبق وأن أشرت أن الرهان على نجاح النقباء الثلاثة "أشرف زكى" الممثلين و "مسعد فودة" السينمائيين و "منير الوسيمي" الموسيقيين هو في نفس الوقت بمثابة رهان على أن مبارك لا يزال يملك بعض القوى في الحياة السياسية.. جاء إعلان انسحاب "أشرف زكى" من التنافس على مقعد نقيب الممثلين مفاجئاً للجميع يبدو أن هذا الانسحاب الذي يحيط به الغموض حتى الآن في جانب منه درس عملي يؤكد على قوة التيار الذي لا يزال يؤيد مبارك قد أصابه قدراً من الوهن!! هل هناك من أجبر "أشرف" على التنازل عن الدخول للانتخابات قبل أقل من 48 ساعة من إجراءها إن الأمر يبدو مثيراً للتساؤل لأن "أشرف" كانت لديه أوراق للضغط من خلال بعض مناصريه الذين اثبتوا ولائهم له حتى بعد انسحابه منحوه أصواتهم حيث أنه حصل على 320 صوتا صحيح أن "أشرف عبد الغفور" المنافس على المقعد حصل على 864 صوتاً أي حوالي 65% من أصوات الناخبين وهو ما حسم مبكراً المعركة الانتخابية في الجولة الأولى إلا أن الرقم الذي حصل عليه "أشرف زكى" والذي تناقص عما حصل عليه "عبد الغفور" بأكثر من النصف إلا أنه في كل الأحوال يشير إلى أن هناك لا تزال قوة داخل نقابات الفنانين تقف في نفس خندق "أشرف زكى" ولديهم ولاءهم للعهد البائد وأن التغيير الذي أحدثته الثورة لم يشمل كل ألوان الطيف السياسي!! بعد أسبوعين سوف تجرى معركة لاختيار نقيب السينمائيين ولقد رشح نفسه أيضاً "مسعد فودة" النقيب السابق والمدافع عن بقاء مبارك منذ الثورة في 25 يناير حتى 11 فبراير.. لست أدرى هل يكرر "فودة" سيناريو "أشرف زكى" وينسحب في اللحظات الأخيرة ويترك الساحة لمنافسيه المخرجين "على بدرخان" و "محمد فاضل" أم أنه سوف يدخل للمعركة بكل ثقله خاصة وأنه حتى الآن لا يزال حريصاً على بقائه نقيباً في كل الأحوال فإن الصوت المؤيد للثورة كان هو صوت "على بدرخان" وله معاركه قبل الثورة في فضح كل ما جرى في كواليس السينمائيين بل وما حدث في كل ربوع مصر من فساد ويبقى "فاضل" كصوت هادئ يلعب في مساحة أنه مخرجاً تليفزيونياً بالدرجة الأولى وأنه لن يسمح بفصل التليفزيونيين عن السينمائيين وهى الشائعة المغرضة التي أطلقها خصوم "بدرخان" لإقصائه عن مقعد النقيب ويبدو أنها سوف تصبح الورقة الرابحة التي تصب في صالح "فاضل" لو ابتعد "فودة" عن المنافسة إلا أن التوجه للتغيير داخل نقابة السينمائيين لا يمكن أن يعبر عنه اختيار "فاضل" المهادن ولكن "بدرخان" هو الوجه الأقرب لحالة وطموح الثورة ويبقى في النهاية نقابة الموسيقيين وإذا خسر "مسعد فودة" في الاحتفاظ بمقعده نقيباً للسينمائيين فسوف تصبح هذه هي أيضاً نهاية نقيب الموسيقيين الذي ارتبط بزمن مبارك وهو "منير الوسيمى" وهذا يعنى أن الأغلبية بالفعل تريد إقصاء فلول مبارك وأن انتخابات النقابات الفنية تؤكد أن الأغلبية أرادت تغيير النظام وتغيير النقباء الثلاثة الذين ارتبطوا بالعهد البائد إنها ليست انتخابات للنقابات الفنية ولكنها انتخابات تحدد إلى أي اتجاه تتوجه مصر في المرحلة القادمة لتصدق مقولة "وما الدنيا إلا نقابة فنية كبيرة"!!