نشرت صحيفة الواشنطن بوست، تقريرا مطولا عن حرية الرأي والتعبير في مصر بعد الثورة، وتناولت فيه العوائق الجديدة التي تواجه الإعلام المصري والخطوط الحمراء التي ظهرت بعد الإطاحة بالنظام السابق، وفيما يلي نص التقرير: جاءت فكرة تأسيس قناة تليفزيونية خاصة للصحفي المعارض البارز "إبراهيم عيسى" نتيجة للكبت الذي عانى منه الإعلام المصري في النظام السابق لسنوات طويلة، و هو ما ظهر جليًا في تغطية الثورة المصرية. عادة ما كان يعتبر إطلاق قناة تليفزيونية أمرًا مستحيلاً دون الحصول على موافقة من جهاز أمن الدولة ، ولكن في ظل انشغال المسؤولين بمظاهرات التحرير، قام عيسى وبعض المتطوعين بإطلاق قناة جديدة بإمكانيات بسيطة يمكن تلخيصها في مبلغ 300 دولار فقط وتردد قمر صناعي للقناة تبرع به أحد أصدقائه. بعد أربعة أشهر فقط من إطلاقها، جذبت قناة "التحرير" الملايين من المشاهدين، حيث يعتبر عيسى الذي تعرض للاعتقال والمضايقات كثيرًا أثناء فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك، رمزًا لحرية التعبير في مصر. يقول عيسى الصحفي البالغ من العمر 46 عامًا "لقد انتهت فكرة منع الناس من التحدث." منذ انتهاء الثورة المصرية، تزايد عدد القنوات التليفزيونية والصحف بطريقة ملحوظة، وعاد المقاطعون للإعلام المصري قديمًا – من سياسيين وإسلاميين ونشطاء حقوقيين – لينشروا مقالات رأي ويظهروا في البرامج الحوارية من جديد. ولكن، مازال الإعلام الجديد يعاني من بعض القيود التي يفرضها المجلس العسكري الذي يحكم البلاد حاليًا، فالمجلس العسكري يرفض أن ينتقده أي شخص بل ويحرمه. ويذكر إنه قام بحبس مدون واستجواب بعض الصحفيين بسبب انتقاده سواء كتابيًا أو على الهواء مباشرة. وعلى الصعيد الإعلامي، ترى لينا عطا الله – مدير تحرير صحيفة المصري اليوم باللغة الإنجليزية – إن هناك شعور بإن ما يحدث الآن هو نقطة اللاعودة. وتضيف إنه على الإعلاميين التصرف كمجموعة مهتمة والحصول على القدر المستطاع من الحرية. في السنوات الأخيرة، كان عيسى يدير العديد من الإصدارات التي أغلقها ومنعها النظام الحكومي السابق. فقد كان جزءًا من الحركة الجديدة للإعلام المستقل الذي يعتبر أكثر مواكبة وأكثر إثارة من الصحف والقنوات التابعة للحكومة. عادة ما كان يتعرض الصحفيين قبل الثورة للمضايقات بل وكانوا يخاطرون بأنفسهم إذا ما تجاوزوا حدودهم المسموحة في الكتابة. في عام 2008، تم الحكم على عيسى بشهرين لطرحه موضوع صحة الرئيس، ولكن تم العفو عنه في نهاية الأمر. والعام الماضي، تم فصله كرئيس لتحرير صحيفة الدستور اليومية التي تأسست عام 1995 وتم إغلاقها من قبل السلطات زعمًا بإنها "تهدد الوحدة الوطنية في مصر". بعد الثورة، أسقطت الحكومة شرط حصول المحطات التليفزيونية على تخليص أمني قبل السماح ببثها. وحتى الآن تم إطلاق على الأقل 20 قناة، بما في ذلك قناة التحرير وأخرى تعرف ب "25" وهو تاريخ اندلاع الثورة المصرية. من بين قنوات أخرى تديرها الجماعات الدينية، بما في ذلك قنوات تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة والسلفيين. ويعكس ازدهار القنوات هذا، تعطش المشاهدين لمعرفة الأخبار في هذه البلد ذات ال 80 مليون نسمة والتي تواجه مستقبلاً غامضًا بعد 30 عامًا من الحكم بواسطة الشخص ذاته. وعلى الرغم من توخي القائمين على وسائل الإعلام التابعة للحكومة المصرية الحذر بصفة نسبية، إلا إن الحكومة المصرية المؤقتة قمت بطرد كثير من المسؤولين بالإذاعة والتليفزيون المصري وعدد من المحررين الذين كانوا على علاقة بالنظام السابق. ولكنهم، يواجهون الآن تحديات جديدة. ومؤخرًا، هدد مؤيدو محمد البرادعي – أحد المعارضين السياسيين الحاصل على جائزة نوبل – بالتظاهر بعد إصدار قرار بمنعه من الظهور في أحد برامج القنوات الحكومية، ولكن تم التراجع عن هذا القرار سريعًا. يقول حسام بهجت – مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية – إن مصر تشهد فترة تحول حيث كان يهتم 1 من 1000 مصري بالسياسة والآن لديك 80 مليون سياسي مصري. ويضيف إن المصريين الآن يتمتعون ب 90% من حرية التعبير، في حين تظل ال 10% المتبقية محرمة لما تتضمنه من انتقاد للمجلس العسكري الذ لن يستسلم إلا بعض الدخول معه في صراع. فما زال من غير القانوني "إهانة" القوات المسلحة، التي تمت الإشادة بها لمساندتها للثورة المصرية. ولكن، بما إن مجموعة من اللواءات تحكم مصر الآن– على الأقل حتى انعقاد الانتخابات في الخريف المقبل – فهم يجدون أنفسهم عرضة للانتقاد اللاذع. ففي مارس الماضي، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بيانًا للإعلام يأمره فيه بعدم نشر أو بث أي أخبار متعلقة بالجيش دون مناقشتها وتوضيحها معه أولاً. بعدها بعدة أسابيع، حكمت المحكمة العسكرية على مدون يدعى "مايكل نبيل سند" بثلاث سنوات لترويجه إن الجيش قام بتعذيب المشاركين في مظاهرة شهر مارس. وقد وصل التوتر المتزايد بين اللواءات والصحفيين ذروته الشهر الماضي، عندما تم استدعاء المدون المعروف "حسام الحملاوي" وصحفيين آخرين من قبل المحكمة العسكرية بسبب ظهورهم في أحد البرامج وانتقادهم لانتهاكات مزعومة قامت بها القوات المسلحة. وخوفًا من إمكانية حبس الثلاثي، شن مؤيدو الحملاوي حملات عبر الإنترنت تروي ما حدث، حتى تم إخبار الصحفيين في نهاية الأمر إن الاستدعاء كان "للمحادثة وتناول القهوة." وفقًا لما ذكره الحملاوي على مدونته. في واقع الأمر، يبدو إن الجيش نفسه يصارع من أجل تحديد ما هو مقبول حيث يقوم الآن بدور غير معتاد. يقول أحد القيادات بالجيش عبر مكالمة هاتفية في أحد البرامج الحوارية إنه يجب تركيز الانتقاد على دور الجيش السياسي وليس على انتقاد أشخاص أو قيادات معينة، "فهذا هو جيشنا ويجب علينا احترامه." وفي 18 من يونيو، استدعت النيابة العسكرية "رشا عزب" صحفية بصحيفة الفجر المستقلة ورئيس تحريرها "عادل حمودة" بسبب مقال نشرته عن تعذيب الجيش للمتظاهرين وإجراء "اختبارات عذرية" على المتظاهرات. تقول إيليا زروان – محللة في المؤسسة البحثية "مجموعة الأزمات الدولية" – إن الصحفيين يحاولون تحديد الخطوط الحمراء التي ينبغي عليهم عدم تجاوزها. وقد ظهرت التوترات في المشاورات التي دارت بين الحكومة المصرية والصحفيين والنشطاء الحقوقيين حول قانون جديد عن حرية تداول المعلومات. يتضمن مشروع القانون الجديد قائمة طويلة من الموضوعات المتعلقة بالأمن والتي قد يتم استباعدها من الكشف والتداول. تقول عطا الله إن هناك الكثير من التحفظات حول هذا القانون، ولكن ما زالت لدينا المساحة للمكافحة، وهذا هو الاختلاف.