دعونا نحاول أن نغزل أكثر من موضوع في بعض ربما نطلع منهم بشيء مفيد أو حتي إيجابي من أي نوع.. هل تذكرون عندما تحدثت عن أن السينما المصرية سينما موضات وليست سينما تيارات!! بينما كنت أقرأ الجزء الأخير من الأعمال الكاملة للناقد سامي السلاموني وجدته يشير بكل وضوح إلي نفس النقطة تقريبًا ولكن من وجهة نظر أخري لا شك كانت تشغله ولا تزال تشغلنا جميعًا حيث يقول (في الواقع لا وجود لتيار في السينما المصرية بل كانت لدينا دائمًا «سينما النجم» وهو نظام نقلته سينما العالم عن هوليوود ولكنه نما وترعرع في السينما المصرية واستقر فيها بحكم قوانينها وعلاقاتها وأسواقها ومشاهديها حتي بعد أن تخلت عنه هوليوود نفسها»، وفي نفس السياق يكمل (وكل ظاهرة تأخذ أيامها بعد أن تتحول إلي لون مرتبط أساسًا بمواصفات النجم ومرتبط بما يحققه عند الناس من تصور خاص أو متعة أو احتياج أو كيف يريد هو أن يبدو أمام الناس) وكلمة ظاهرة أو لون في الفقرة السابقة أجدها شديدة القرب من كلمة موضة - التي أطلقناها - السينما المصرية بل أجدها مرادفة لها إلي حد كبير والكلام بالطبع واضح فظاهرة موضة أفلام الكوميديا ارتبطت عند الناس بمجموعة «نجوم» تلك المرحلة وبالشكل الذي أرادوا هم أن يظهروا فيه، وبعدها بدأت موضة العشوائيات والأكشن والعنف فهذا يريد أن يتسلق جبلاً، والثاني يريد أن يطير بسيارة، والثالث يريد أن يضرب حيًا بأكمله، إذن فموضات السينما المصرية مرتبطة أساسًا بالنظام الفاشل شديد التعسف المعروف بسينما النجم ويمكن أن نقول إن سينما النجم في حد ذاتها سبب رئيسي أو أحد الأسباب الرئيسية وراء غياب قيمة التيار أو وجوده في السينما المصرية، ودعوني أسوق في هذا تشبيهًا شديد القوة ليوسف شاهين من فيلمه «حدوتة مصرية» عندما يدعوه أحدهم بالنجم (أي نور الشريف في شخصية شاهين بالفيلم) فيقول علي لسان الشخصية: لا تستخدم هذه الكلمة معي أبدًا لأنني أشعر بأن كلمة نجم تعني أني شيء ولست شخصًا والشيء يمكن أن تشتريه وتستهلكه ثم ترميه! وهذا المعني ينطبق تمامًا في سياق قريب لنفس الناقد سامي السلاموني يقول فيه (نجاح نجم جماهيري لمجرد أن الناس تحبه ولكن خارج إطار عمل فني جيد هو شيء عبثي خادع لا تبقي له قيمة بعد انتهاء الفيلم بنصف ساعة سوي استفادة المنتج وحده لأن النجم المحبوب نفسه لا يضيف شيئًا لنجاحه وقيمته بل علي العكس يسحب من رصيده وبعد عملين أو ثلاثة من هذا النوع لأبد أن يزهق جمهور النجم ويبحث عن بديل ولكل نجم - مثل كل ثلاجة - عمر افتراضي لابد من استغلاله كأفضل ما يكون قبل استهلاك الموتور) أليس هذا ربطًا واضحًا بين فكرة سينما النجم وفكرة الشيء المستهلك! وللعلم فنحن لا نقصر مسألة سيطرة النجوم علي السينما فقط، فمن الواضح أن الدراما التليفزيونية أيضًا متأثرة لدرجة رهيبة بنفس هذا المنطق (الشيء) وهو ما يبدو مستفزًا منذ مواسم عديدة مضت ولمواسم كثيرة قادمة، خصوصًا مع قلة عدد الأفلام المنتجة هذا العام وهجوم النجوم علي الدراما في تنافس غير عقلاني سوف يخنق الموسم الرمضاني دون وعي بأي حسابات أخري غير الملايين القادمة من الأجور والتي لم نسمع حتي الآن عن أن أحدهم علي مستوي التبرعات المادية أو علي مستوي الوقفات والقوافل الخيرية قد تطوع بأي شيء لمضاري السيول ولكوارث البلد الذي من المفترض أنه قدوة فيه! فالمسألة ليست خيرًا في السر يؤجر عليه المرء بحسنات وإلا ما وقفت جموع الفنانين تهلل ضد الجزائر بسبب مباراة كرة، في الوقت الذي خرست فيه كل الأصوات وأغلقت الجيوب علي تلال الأموال أمام احتياج حقيقي وظرف قومي خطير.. فالفنان قدوة وموقف اجتماعي قبل أن يكون له سعر إعلاني مرتبط بالزيت والسمنة والصابون!!