الصدفة وحدها هي التي جعلت ثلاث بنات من عائلتي ومعارفي طالبات عند شيرين أبو النجا صديقتي في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، وهو واحد من الأماكن القليلة في مصر التي مازالت تحتفظ بتقاليد وقواعد كتبت عنها شيرين نفسها أكثر من مرة. الصدفة هي التي جعلتني أتفهم وجهة نظر الطرفين الطالبات والأستاذة. والغريب أنني انحزت عملياً لموقف الطالبات. نظرياً أنا مع الأستاذة تماماً، الأستاذة التي تقوم بتدريس الشعر الإنجليزي في نهاية القرن التاسع عشر والشعر الإنجليزي الحديث، هذه الأستاذة تحب الشعر، تفهمه، تتأمله، تتأثر به وجدانياً وعقلياً، تترك كل قصيدة في وعيها علامة. هي تريد أن تنقل هذا كله لتلاميذها. تنقل الأساس، القدرة علي الفهم والتأمل، وتلاميذها يريدون أسئلة المراجعة النهائية التي لن يخرج عنها الامتحان. يريدون أن يحفظوا السؤال والإجابة وهي تحيرهم بكلامها عن الفهم والتأمل. إلي هنا أجد نفسي مبهورة بموقف الأستاذة مشجعة له وفخورة بها. لكن ينقلب حالي عندما تهمس في أذني تلميذتها الثانية والتي هي بالمصادفة ابنة أخي، والتي رسبت في مادتها في التيرم الأول ودخلت الإعادة، تهمس لي قبل امتحان الإعادة باسم المادة. فأسألها يعني إيه؟ تقول (أدب مقارن يا تانت، مافيش ملزمة ولا أسئلة وأجوبة ومش عايزانا ننقل من بعض المحاضرات اللي هي بتقوله، حضرتك عارفة يا تانت إحنا عندنا بنات شاطرين دحاحين يعني بيكتبوا كلمة كلمة بتقولها الدكتورة في المحاضرة، واحدة من البنات دول طيبة جداً ومستعدة تصور كشكول محاضراتها وتديه للي ما بيحضرش، مش فاهمة مين اللي قال للدكتورة الحكاية دي قالت في المحاضرة الأخيرة، مش عايزة صم كلامي وكتابته عايزة كلامكم إنتوا، وقالت الجملة دي بالعربي عشان نفهمها كويس) . قلت للأستاذة بعدما تفهمت موقف الطالبة (أنتِ لازم تراعي إن نظام التعليم كله كده، وأنتِ في آخر نقطة، مش ممكن تغيري في اللحظة الأخيرة) . أقول بدهيات هي تعرفها أكثر مني وتقول: (أقصي أحلام الطلبة إنهم يشتغلوا في خدمة العملا.. هيدرسوا أدب ليه.. ويتأملوا جمال قصيدة لي؟.. عندهم حق.. هيتعلموا خدمة العملا أو السكرتارية بعد أسبوع من استلام العمل اللي بيشتغلوه بالواسطة أصلاً). تفعل د. شيرين ود.راندا ما يمليه عليهما ضميراهما، تدرسان بمعني تتعلمان، وتدرسان بمعني تنقلان العلم. وصعب جداً ألا تفكران في النتيجة.. تبذران البذور.. وطبيعي أن تتوقعا الحصاد. أتفهم جداً. لكن أتعاطف مع الطالبات وأبحث معهن عن حلول تلتف حول الموقف كله وتتيح لهن النجاح في الامتحان والخلاص من المأزق. أقدر موقف الأستاذة وأحترمه، وأتعاطف مع الطالبة كأي أم .