تعريفة المواصلات الجديدة في أسيوط 2024 رسميًا    «الحرية المصري»: كلمة الرئيس في منتدى بريكس وضعت العالم أمام مسؤولياته    «الخارجية الفلسطينية» تحذر من مخططات الاحتلال للفصل بين الضفة والغزة    الأمين العام لحلف الناتو يعلن أن الناتو سيعزز تواجده على الحدود الروسية    بايرن ميونخ يحذر من خطورة إنجلترا تحت قيادة توخيل    أنشيلوتي: لم أطلب التعاقد مع صفقات شتوية    ضبط 8 تشكيلات عصابية و239 قطعة سلاح وتنفيذ 86 ألف حكم خلال يوم    بعد خروجها الأخير للجمهور.. إشادة بحديث شيرين عبدالوهاب المتزن عن قضية صوت مصر    سوسن بدر توجه الشكر لكلية الإعلام جامعة القاهرة في إحتفالية نصر أكتوبر    مدرب ليفربول يعترف بصعوبة مواجهة تشيلسي ويشيد بثنائي الدفاع ويكشف حالة أليسون    ننشر التعريفة الجديدة ل«نقل الركاب» بكفرالشيخ    إلهام شاهين ومحمد رياض مع الجمهور.. ليلة استثنائية في مهرجان المهن التمثيلية |صور    شومان من الجامع الأزهر: الإسلام قضى على شرب الخمر بحكمة بالغة.. والبعض يزعم عدم حرمانيتها    10 لاعبين يسجلون غيابا عن الزمالك في السوبر المصري.. هل تؤثر على النتائج وفرص الفوز بالكأس؟    ديربي الرياض| تشكيل الشباب المتوقع أمام النصر    مواجهات مرتقبة لأندية الصعيد بدوري القسم الثاني    رئيس جنوب إفريقيا يحث «بريكس» على تعزيز التعاون في مجال التكنولوجيات    ضبط 3 شركات للنصب على المواطنين بزعم تسفيرهم للعمل بالخارج    كوريا الجنوبية: بيونج يانج تشارك فى حرب أوكرانيا وتقرر إرسال 12 ألف جندى    علاوات وإجازات.. أبرز مزايا قانون العمل الجديد    زحام كبير على ضريح السيد البدوي خلال حفل المولد (فيديو)    البث الإسرائيلى: نتنياهو أجرى مشاورات حول إنجاز صفقة تبادل بعد اغتيال السنوار    "الإسكان": إتاحة 426 قطعة أرض لذوى الهمم أو ذويهم بولاية ب20 مدينة جديدة    أمين الفتوى لقناة الناس: تركيب الرموش والشعر "الاكستنشن" للزوج فقط    وزارة الثقافة تطلق فعاليات مهرجان أسوان احتفالا بتعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني    اليونيفيل: تم استهدافنا 5 مرات عمدا فى لبنان    ضبط 34 ألف نسخة كتاب بدون تصريح داخل مطبعة بالقليوبية    غير صحيحة شرعًا.. الإفتاء تحذر من مقولة: "مال أبونا لا يذهب للغريب"    محاولة سرقة تنتهي بمق.تل طالب بسوهاج    كاميرات وعلامات إرشادية..الطريق البديل بعد الغلق الكلى لنفق محمد نجيب أسفل الأوسطي    موعد ومكان جنازة الشاعر أحمد على موسى    الأعلى للتعليم يوافق على إطلاق حملة توعية بحقوق الطلاب ذوي الإعاقة    نقيب التمريض تتفقد مستشفى غمرة العسكري وتشيد بكفاءة الأطقم الطبية    يمنى البحار: تزايد إقبال السياح على حفلات الزفاف وقضاء شهر العسل في مصر    بث مباشر.. نقل شعائر صلاة الجمعة من الحرمين الشريفين    تعاون بين معهد تيودور بلهارس وجامعة كيوشو اليابانية    جامعة المنيا تنظم قافله طبية بقرية بلهاسا ضمن المبادرة الرئاسية "بداية جديدة "    قافلة دعوية مشتركة بمساجد رفح والشيخ زويد    إزالة تعديات على مساحة 15 فدان أراضي زراعية ضمن حملات الموجة ال 24 في الشرقية    وزيرة البيئة تبحث مع نظيرها الأوزباكستاني آليات تعزيز التعاون بين البلدين    تطورات الأوضاع في غزة ولبنان والسودان تتصدر نشاط الرئيس السيسي الأسبوعي    ضبط مرتكبى واقعة اختطاف طفل ومساومة والده لإعادته مقابل مبلغ مالي بالإسماعيلية    تركه سهوًا بداخل السيارة.. ضبط سائق سيارة لاستيلائه على هاتف إحدى السيدات    وكيل تموين الشرقية يترأس حملات على محطات الوقود    أسعار الحديد اليوم الجمعة 18-10-2024 في الأسواق    ثروت سويلم: تم تغليظ العقوبات في اللائحة الجديدة للدوري    مصلحة الضرائب: حد أقصى لغرامات التأخير لا يتجاوز 100% من أصل الضريبة    مراكز الإيواء.. «أمان مؤقت» للنازحين اللبنانيين بعد العدوان الإسرائيلي    التموين: حملات رقابية لمتابعة التزام محطات الوقود بالأسعار الجديدة    وزير الصحة والسكان يؤكد أهمية تقييم التكنولوجيا الطبية في تعزيز الوضع الصحي    5 طرق مفيدة ومهمة لخفض مستويات السكر المرتفعة في الدم بصورة سريعة    مجدي بدران: حملة 100 يوم صحة تؤكد نية الدولة تحرير الجسد من الأمراض    سعر الريال القطرى فى مصر اليوم الجمعة 18-10-2024    ترتيب الدوري الألماني قبل مباريات اليوم الجمعة    في ذكرى رحيله.. محطات في حياة الأديب جمال الغيطاني    لا يسخر قوم من قوم.. تعرف على موضوع خطبة الجمعة اليوم مكتوبة    الأزهر ينعى «شهداء المقاومة الفلسطينية» الأبطال.. ويؤكد: أرهبوا عدوهم وأدخلوا الخوف والرعب في قلوبهم    لولو بتحب مها.. محمود شاهين يكشف سبب بكاء إلهام صفي الدين بحفل زفافه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. شيرين أبو النجا تكتب: محنة ثانية: التصحيح
نشر في الدستور الأصلي يوم 09 - 02 - 2010

كنت قد حدثتكم من قبل عن إحساسي المهول بالبطالة أمام طلاب ليس لديهم أدني اهتمام بالأدب ولا غيره، مع التذمر الدائم من كل ما يدرسونه. والحقيقة أن الأدب الذي «نحاول» تدريسه قد أظهر هشاشته العظيمة أمام أحداث عابرة تصادف حدوثها أثناء الدراسة، من قبيل مباراة مصر والجزائر، وهوجة إنفلونزا الخنازير. وربما قلت لكم أيضا إننا كمدرسين أصررنا علي المواظبة في تحد كامل لكل هذه العواصف بالرغم من أننا كنا أحيانا نقدم كل الإغراءات للطلاب لكي يوجدوا في المحاضرة، فتحولنا بعد قليل إلي ما يشبه مندوب المبيعات الذي يحاول أن يجمل بضاعته أمام الزبون المفترض. ولأن التمثيلية لابد أن تكتمل فكان بالطبع لابد من الامتحانات التي تتضمن لجانا وطلابا وأوراق إجابة، وهو ما يعني أن هناك مهمة قومية اسمها تصحيح الأوراق. وهنا يبدأ الموسم السنوي للعبث، أو بمعني أصح «موسم الحصاد».
عدد الأوراق يفوق الثلاثمائة بقليل، وهو يعتبر عدداً إنسانياً مقارنة بكليات وأقسام أخري. لكن ما أن بدأت التصحيح- بعد قليل من التأمل في المكتوب- حتي أدركت أن إحساسي بالبطالة كان خاطئا؛ فالإحساس الصحيح لابد وأن يتضمن تساؤلات وجودية عميقة مثل تلك التي تغني بها الفلاسفة، علي شاكلة: لماذا أفعل ذلك؟ أو لماذا أنا موجودة؟ أو ما معني مهنة التدريس الآن؟ أسئلة لابد وأن تدفع الإنسان- إذا استغرق فيها- إلي ترك كل شيء واللجوء إلي وسائل ترفيه بسيطة تقتل الوقت، فالتدريس ليس وسيلة ترفيه لكنه يقتل الوقت والحصاد هو العبث. في حواري مع زميلتي التي تشاركني التصحيح قلت لها إننا لو كنا ذهبنا إلي المحاضرات وألقينا نكات أو حكينا حكايات مسلية كانت النتيجة ستكون أفضل بكثير مما رأيته في الأوراق. ثم تذكرت كم الاجتماعات التي عقدناها معاً أنا وزميلاتي والتي كان هدفها تغيير المنهج إلي الأفضل، وابتداع أفضل طرق للتدريس، بالإضافة إلي المادة التي قمنا بجمعها من مختلف الكتب، وعدد الرسائل الإلكترونية الذي تبادلناه.. تذكرت كل ذلك وأنا أتأمل في إجابات (المفترض أنها إجابة) لا تنتمي إلي أي لغة أو منطق أو فكر أو فهم. لا هناك مضمون يجعلني أتغاضي عن الأخطاء اللُّغوية والنَّحْوية، ولا هناك لغة سليمة تجعلني أتغاضي عن المضمون. ولتكتمل لديكم الصورة فأنا أتحدث عن طلاب الفرقة الرابعة! أما المادة فهي مادة النقد، أي عصب الموضوع. وبالنظر إلي فكرة ال80 مليون مصري الذين تحولوا مؤخرا إلي نقاد أدب وسينما ومسرح وفن وكرة قدم أطمئنكم أن المستقبل باهر ومشرق. العقل في إجازة مفتوحة والاهتمام صفر وقرار التفكير معطل منذ زمن. وعندما يكون هناك عشر أو عشرون ورقة جيدة في وسط هذا العدد فلابد أن نقول إن هناك كارثة. وعندما ندرك أن هؤلاء الطلاب علي وشْك التخرج فلا يجب أن نطرح موضوع «سوق العمل» ناهيك عن مستوي الخريج. وعندما نكون علي وعي شديد باللحظة السيئة السوداء التي نمر بها علي المستوي الاقتصادي والاجتماعي لابد أن تضعني الرسالة التي جاءت في إحدي أوراق الإجابة في مأزق شديد. لا تحمل أوراق الإجابة أي أسماء ولكن يفهم من الرسالة التي كتبت داخل الورقة باللغة الإنجليزية (المليئة بالأخطاء) أن صاحبها هو طالب وليس طالبة. تقول الرسالة (والترجمة حرفية): «طلب خاص: عمري ثلاثون عاماً. أعمل لأعيش. حياتي لم تبدأ بعد. لست متزوجا حتي الآن. لا أستطيع أن أبدأ حياتي. ولذلك فمن أجل خاطر الله أريد أن أنجح وأتخرج. أنا آسف. شكرا».
ما العمل أمام رسالة مثل تلك بجانبها إجابة لا تسمن ولا تغني من أي شيء. هل ينجح وينضم لكتيبة المتعلم الأمي، هل أتواطأ وأمنحه درجات لا يستحقها؟ هل يرسب ويعيد العام (وربما لا) ولن يتعلم أيضا؟ ما العمل؟ مأزق إنساني، ومأزق تعليمي، ومأزق ضمير. غالبا ما يفكر القارئ الآن أن من حق هذا الطالب أن ينجح لأن البلد كله «كوسة»، ولا معني لتشغيل الضمير مع هذا الطالب بالذات، وأجيب عنه قائلة إن ميزة القسم الذي أعمل به وأفتخر دائما بذلك أن «ضميره» يعمل أربعاً وعشرين ساعة طوال أيام الأسبوع، ويعلن الضمير عن نفسه في رفض بيع ملازم أو كتب ويقومون بالتصحيح- والتدريس من قبل ذلك- علي أكمل وجه. قد يقول قارئ آخر إنه لا معني لكل ذلك في مكان منهار تماما ولا أمل في إصلاحه، فأقول له وما معني إصرارنا إذن علي إصلاحه؟ لنترك الأمر بأكمله. أسألكم مرة أخري: ما العمل أمام مثل هذا النموذج وهو بالتأكيد ليس الأوحد؟ بل هناك مثله الكثيرون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.