لفت انتباهي في عدد الدستور الصادر يوم الاثنين الماضي (مانشيت رئيسي) في الصفحة الأول يقول: «المستندات تتحدي بدر: مناهج الثانوية العامة تغيرت»، وفي عنوان فرعي: «استبدال مصطلح الفتح العثماني بالغزو العثماني في منهج التاريخ!»، وعلامة التعجب للجريدة وليست لي، الخبر كتبه الزميل محمد توفيق. لفت نظري في الخبر والعناوين عدة أمور: أولها: حالة الترصد المستمرة بوزير التربية والتعليم، والسعي لتصيد أي تصريحات له للهجوم عليه، وفي هذا الخبر يسعي كاتبه للتأكيد علي أن هناك تغيرات في بعض مناهج الثانوية العامة، وإن هذه التغيرات تتنافي مع تصريحات للوزير لوسائل الإعلام بأنه لم يحدث تغيير في مناهج الثانوية العامة، ويتهم الوزير بأنه إما يعرف بالتعديلات وينفيها، أو لا يعرف بها أصلا وفي الحالتين هناك مشكلة بالطبع. وأظن أن الأستاذ محمد توفيق كان يرد علي تصريحات أدلي بها وزير التربية والتعليم الدكتور أحمد زكي بدر لجريدة الجمهورية نشرت يوم السبت الماضي، عدت إلي تصريحات الوزير وأعدت قراءتها عدة مرات، فلم أجد فيها ما يفيد بأنه لم تحدث تغييرات في مناهج الثانوية العامة، ما قاله الوزير تحديدا: «إن عملية وضع المناهج بدأت في نوفمبر 2009، وبدأ إعداد الكتب للطبع بعدها بقليل»، وهذا يعني بوضوح أن هناك تغييرًا ما، ثم يشير الوزير إلي أنه قد وجد أن قليلا منها أي من المناهج يستلزم حذف أجزاء منها لتقليل الحشو والتخلص من عيوب الحفظ والتلقين والاقتراب من الإبداع والابتكار. واستطرد وزير التعليم قائلا: إنه لو حدث حذف من المناهج بعد ذلك سيكون في أضيق الحدود وسعيا للصالح العام وبعد مراجعة شاملة للمناهج. فمن أين أتي كاتب الخبر بأن الوزير «أصر علي عدم حدوث تغيير في أي شيء». ربما خلط بين تصريحه هذا ونفيه في نفس الحديث لما يتردد عن وجود مناهج سرية للثانوية العامة، ودهشته مما ينشر في بعض الصحف الخاصة حول هذا الموضوع. وأظن أن هناك فارقًا كبيرًا بين نفي وجود مناهج سرية ونفي وجود تغييرات في المناهج. الأمر الثاني اللافت للنظر في الخبر أن ما رصده الأستاذ توفيق من تغييرات أعتبرها مستندات تتحدي الوزير، إن منهج اللغة الإنجليزية تغير في الصف الثالث بعد تغيير منهج الصف الثاني في العام الماضي، ورغم أن كاتب الخبر لم يرصد تغييرًا في المنهج سوي استبدال موضوع عن الروائية الإنجليزية أجاثا كريستي بآخر عن الدكتورة عائشة عبد الرحمن، إلا أن المنطقي أن تكون هناك تعديلات في منهج الصف الثالث الثانوي ما دامت قد حدثت تعديلات في العام الماضي في منهج الصف الثاني الثانوي، فالمناهج تبني علي بعضها. أما منهج التاريخ الذي أعتبره قد تغير، فما رصده من تغيير فيه ليس إلا تعديلات في بعض الصياغات والعبارات والكلمات هنا وهناك، ولو أن الأستاذ توفيق قد بذل كل هذا الجهد في البحث عن تغيير في كلمة أو فقرة أو عبارة كان قد قدم لنا رأيه في هذا المنهج ربما كان هذا أجدي وأنفع لمن يرغب في تطوير حقيقي للتعليم. الأمر الثالث الذي لفت نظري بشدة الفقرة الأخيرة التي يقول فيها الأستاذ توفيق مستنكرا علي ما يبدو: «هذا بجانب حذف مصطلح الفتح العثماني من مناهج التاريخ في المرحلتين الإعدادية والثانوية العامة، وتم وضع الغزو العثماني بدلا منها». في الحقيقة كنت قد تصورت أن العكس قد حدث، وأن الوزارة قد استخدمت مصطلح الفتح العثماني بدلا من الغزو العثماني، وهذا ما استفزني ودفعني لقراءة الخبر، فالعنوان الذي يتصدر الخبر يحمل عكس المعني المقصود، فحرف الباء يدخل علي المتروك، أي أن صحة العنوان كما يبدو من تفاصيل الخبر كانت تقتضي أن يكون العنوان: «استبدال مصطلح الغزو العثماني بالفتح العثماني في منهج التاريخ». وهذا الخطأ الشائع الذي وقع في العنوان وعدم انتباه المصححين إليه يؤكد أن المناهج في حاجة إلي تعديل ونظام التعليم في حاجة إلي تعديل. الكارثة الحقيقية أن مناهج التاريخ كانت تشير إلي احتلال العثمانيين لمصر بمصطلح «الفتح»، الذي يحمل دلالات إيجابية، ولا أعرف متي حدث هذا؟ ومن المسئول عنه؟ إن تصحيح هذا الخطأ الفادح أمر يستحق الإشادة به، ولا يستحق استنكاره أو التعجب منه. أما مناهج التاريخ فإنها تستحق وقفات ووقفات من أجل أن تصبح مناهج تاريح حقيقية، ومن أجل أن يصبح لدينا تعليم حقيقي ينمي قيم المواطنة والانتماء لهذا البلد، وينمي قدرات الطلاب علي الخلق والابتكار، إنها تستحق التغيير الشامل بالفعل وليس تعديل عبارة هنا وكلمة هناك، الأمر الذي أظن أن وزير التربية والتعليم قادر عليه، ولهذا حديث آخر.